أردوغان يعيد «داعش» إلى سنجار؟

الخميس،29 آذار(مارس)،2018

«داعش» حاضر في الجانب السوري من حدود العراق الشمالية الغربية، فضلاً عن تحركه في أنحاء عدة من العراق نفسه. لقد انتهت دولته واختفى خليفته، لكن عناصره يتغلغلون بين السكان المدنيين، وحاملو السلاح منهم يخوضون ما كان يسمّيه تشي غيفارا – «الشيوعي» – حرب الغوار أو حرب العصابات.
ما يسمّيه رجب طيب أردوغان «الإرهاب الكردي» دفعه إلى تهجير أهالي عفرين، وما يسمّيه الحكم في دمشق إرهاب الجماعات المسلحة يهجّر أهالي الغوطة الشرقية. وفي المأساتين تظهر صورة روسيا الصامتة أمام «الاحتلال» التركي، والمدبّرة لانسحابات المسلحين تسهيلاً لامتداد سلطة دمشق نحو غوطتها الشرقية.
الأرضية خصبة لامتداد «داعش» أو استيلاده مجدداً في سورية والعراق، ويفتقد مواطنو البلدين أكثر فأكثر أي تصوّر لسلام قريب ولدولة يقبلها الشعب وتتعامل معه بالعدل والمساواة. وإذا كان الداخل عنوان الأزمة فإن الخارج متعهدها ومحرّكها، خصوصاً الرئيس التركي الذي بدأ يهدد بـ «تحرير» سنجار العراقية من «الإرهاب» الكردي، ويتصل رئيس وزرائه بن علي يلدريم برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي واعداً بالتنسيق قبل «التحرير»، لكن حكومة بغداد أعلنت انسحاب مسلّحي حزب العمال الكردستاني من سنجار لتحل محلهم كتائب من الجيش العراقي وصولاً إلى الحدود التركية.
لا أحد يهتم بمهجّري عفرين والغوطة الشرقية الذين يشكّلون عبئاً يضاف إلى أعباء المجتمع في سورية. المدنيون هم الضحايا ولا أحد يركز على أصواتهم الجديدة هذه الأيام. يكتفي الشعب السوري بسماع أصداء صوته لدى انطلاقة الثورة عام 2011 ولا يهتم بالاحتجاجات الجديدة. وحده الصمت ملجأ للسوري حين يرى الأميركي والروسي والتركي والإيراني يتحكّمون بوطنه ومن دون خطة واضحة. تطرد واشنطن وأصدقاؤها ديبلوماسيين روساً، فيما تتعاون مع عسكريين روس في سورية، وأول من أمس دخل الجيش الحر المواكب للجيش التركي بلدة تل رفعت قرب عفرين سلماً، بعدما انسحب منها في وقت واحد المسلحون الأكراد ووحدات الشرطة العسكرية الروسية المرابطة هناك.
خطر امتداد «داعش» قائم في منطقة الحدود العراقية- السورية، حيث سنجار وجوارها، ويشتبك مسلحو التنظيم الإرهابي أكثر من مرة مع القوات العراقية، تحديداً في بلدة تل صفوك، كما تتحرّك مجموعات صغيرة لـ «داعش» في الجانب السوري وتوجّه ضربات سريعة تنتقل بعدها إلى أمكنة أخرى. ويكاد الخطر يتمركز، نتيجة الاحتلال والتهديد التركيين، في منطقة سنجار، التي أصبحت علامة تاريخية على بشاعة الجهاديين المسلحين، خصوصاً مع سبي النساء واستعبادهنّ وبيعهنّ في أسواق النخاسة في عاصمة الخلافة، الرقة. وهذا ما أساء ويسيء إلى الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم.
لم يهتم أردوغان بمأساة سنجار لدى حدوثها. كل ما يعنيه هو الأكراد الذين يصمهم بالإرهاب، ولا يسمح لحليفه الأميركي بالتحالف معهم أو الدفاع عنهم. وإذ يتحرك أردوغان ضد الأكراد السوريين بشراً وأرضاً ويطمح بتكرار فعلته ضد الأكراد العراقيين فهو يحظى برضى ضمني من حليفيه الروسي والإيراني، وبموقف غامض من حليفه الأميركي.
استهتار تركي بـ «داعش» وبحث عن خصوم سياسيين لإلصاق تهمة الإرهاب بهم. كأن «داعش» مرحلة انطوت أو أنه كان لعبة آخرين، بينهم أصدقاء، وقد أقلعوا عنها. نحن أمام تخلٍّ واضح عن محاربة الإرهاب واحتقار لسكان المنطقة وحضارتهم يمارسه كبار الإقليم والعالم دونما إحساس بالخطأ التاريخي.

—- الحياة——