الشعوب الأصلية: تهميش وظلم مستمر

الأحد،11 آب(أُغسطس)،2019

الشعوب الأصلية: تهميش وظلم مستمر

منصور العمري*

يحتفي العالم سنويًا في 9 من آب/أغسطس باليوم الدولي للشعوب الأصلية، سعيًا لرفع الوعي بمشاكل واحتياجات الشعوب الأصلية، وهو تاريخ أول اجتماع عقدته فرق العمل الأممية بشأن السكان الأصليين في جنيف عام 1982.

يُقدر عدد السكان الأصليين في العالم بنحو (370) مليون نسمة يعيشون في (90) بلدًا. يشكل هذا العدد أقل من (5%) من سكان العالم، ولكنه يُشكل (15%) من أفقر السكان. يتحدث السكان الأصليون بأغلب لغات العالم المقدرة بـ (7000) لغة ويمثلون (5000) ثقافة مختلفة.

الشعوب الأصلية هي ورثة وتمارس ثقافات فريدة، وتحمل خصائص اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تختلف عن خصائص المجتمعات السائدة التي تعيش فيها. رغم الاختلافات تتعرض الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم لمشاكل مشتركة تتعلق بحماية حقوقها كشعوب متميزة.

سعت الشعوب الأصلية إلى كسب الاعتراف بهوياتها وأسلوب حياتها وحقها في الأراضي والأقاليم والموارد الطبيعية لسنوات، ولكن حقوقها تنتهك دائمًا عبر التاريخ. يمكننا القول إن الشعوب الأصلية اليوم من بين أشد الفئات حرمانًا وضعفًا في العالم. يدرك المجتمع الدولي اليوم أنه يجب اتخاذ تدابير خاصة لحماية حقوقها والحفاظ على ثقافاتها وأساليب حياتها المميزة، ولكن حتى اليوم لا تزال حقوقها منتهكة واضطهادها مستمرًا، ويتعرض بعضها لمجازر وإبادة مثل الإيزيديين على يد داعش.

الشعوب الأصلية، والمعروفة أيضًا باسم الشعوب الأولى، هي مجموعات عرقية تمثل المستوطنين الأصليين لمنطقة معينة، بعكس الجماعات التي استقرت أو احتلت أو استعمرت المنطقة بعدها. عادة ما يتم وصف المجموعات على أنها أصلية عندما تحافظ على تقاليد أو جوانب أخرى من ثقافة مبكرة مرتبطة بمنطقة معينة. لا تشترك جميع الشعوب الأصلية في هذه الخاصية، حيث اعتمد الكثير منها عناصر جوهرية من ثقافة استعمارية، مثل اللباس أو الدين أو اللغة. قد تستقر الشعوب الأصلية في منطقة معينة أو تظهر نمط حياة بدوي في مناطق واسعة، لكنها ترتبط تاريخيًا عمومًا بمنطقة معينة.

تعرضت الشعوب الأصلية في أغلب مناطق العالم إلى المجازر والقمع والاستعباد والتهميش ولا تزال عديد منها تعاني انتهاك الحقوق.

من أشهر الشعوب الأصلية التي تعرضت للمجازر هم السكان الأصليون للأمريكيتين، على يد الغزاة الأوروبيين حينها. حتى اليوم لا يزال الناس يطلقون عليهم تسمية الهنود الحمر، ولا يزال القانون الأمريكي يطلق عليهم تسمية الهنود الأمريكيين، وهي تسميات يرفضها كثير منهم.

في أستراليا، السكان الأصليون أو الأبوروجينز تعرضوا أيضًا لمجازر على يد المستعمرين الأوروبيين، مثل جيرانهم الماوري في نيوزيلندا.

قامت دول كندا والولايات المتحدة واستراليا ونيوزيلندا باستبعاد السكان الأصليين مع بداية تأسيسها قبل مئات السنين، ومع تطور وعي البشر بحقوقهم، وانتشار ثقافة حقوق الإنسان، بدأت الدول بدمج هؤلاء السكان، ولكن حتى اليوم كثير منهم لا يزال يطالب بحقوق منتهكة.

في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالتنوع العرقي والاجتماعي، يعتبر الكرد والإيزيديون والسريان والآشوريون من السكان الأصليين في سوريا والعراق وتركيا وإيران.

يتعرض هؤلاء السكان الأصليون للانتهاكات وسلب الحقوق، ففي سوريا تعرضوا للقمع وخاصة على يد نظام البعث والأسدين، ومُنعوا حتى من ممارسة لغاتهم وحرموا من الوثائق الحكومية وحتى الشهادات الجامعية.

في مصر، السكان الأصليون هم المصريون من غير العرب، والنوبيون جنوب مصر وشمال السودان. في شمال إفريقيا هم الأمازيغ الذين يتعرضون لتهميش كبير في عدة دول.

أما في السويد والنرويج وفنلندا وروسيا، فمن الشعوب الأصلية الساميون ويعتبرون الأكثر تأثراً بالتغير المناخي والاستثمارات الصناعية، نتيجة لوجودهم في مناطق الشمال الباردة والغنية بالنفط والغاز.

تشترك هذه الشعوب في مظالم ومعاناة شبه متطابقة، وتشمل هذه المظالم ملكية الأراضي، والحكم الذاتي والتنمية الذاتية، والموارد الاقتصادية، والبيئة، والثقافة واللغة والتعليم والصحة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والدينية.

يعتبر السكان الأصليون اليوم من أشد المجموعات حرمانًا، وعندما يدمجون في المجتمعات أو الدول يواجهون التمييز والاستغلال، وكثيرًا ما يعانون من أسوأ ظروف العيش.

مساعدة الشعوب الأصلية ودعمها في التمسك بصفاتها اللغوية والاجتماعية والثقافية والدينية وأسلوب حياتها، لا يحفظ تراثنا البشري وحسب، بل يعبر عن تمسك الدول والمجتمعات الكبرى بقيم العدالة والمساواة.

*كاتب وصحفي سوري

: مراجع ومصادر

موقع الأمم المتحدة الإلكتروني

ويكيبيديا

المصدر: موقع “عنب بلدي”