الريادة الحقوقية والآباء المؤسسون
عبدالحسين شعبان
تحت شعارات «الكرامة والحريّة والعدالة للجميع» سيحتفل العالم باليوبيل الماسي لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام ١٩٤٨، وسيكون العام ٢٠٢٣ مناسبةً جديدة لتأكيد الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تمّ التعبير عنها في العبارات الثلاث والتي جرى تفصيلها في نحو ١٠٠ اتفاقية وإعلان دولي خلال ٧٥ عاماً.
وبهذه المناسبة يمكن استعادة ثلاث شخصيات كبرى تُعتبر من الآباء المؤسسين لثقافة حقوق الإنسان على المستوى العربي، ناهيك عن أدوارهم العالمية، أحدهم – لبناني، وهو الفيلسوف والدبلوماسي شارل مالك، وثانيهم – مصري، وهو الصحفي والدبلوماسي محمود عزمي، وثالثهم – عراقي، هو المفكّر والحقوقي حسين جميل.
وكنت قد تناولت قبل عقد ونيّف من الزمن مساهمة شارل مالك (١٩٠٦ – ١٩٨٧) في صياغة الجانب الفلسفي من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مداخلتي الموسومة «شارل مالك الكبير ولبنان الصغير»، وهو ما تعكسه وثائق الأمم المتحدة وجامعة هارفرد ومكتبة الكونغرس، إضافة إلى مجموعة الوثائق الشخصية، بما فيها المكتوبة بخط يده والمودعة لدى أحد البنوك الأمريكية المعروفة، وهي بالأساس مجموعة يوميات ومذكرات وخواطر لسنوات طويلة.
وسبق لكوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، أن قدّم كتاباً عن العلّامة شارل مالك أكّد فيه: دوره الحاسم في صياغة نص الإعلان العالمي بين أعوام ١٩٤٦ – ١٩٤٨ وبعد جلسات مطوّلة عقدتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والممثّلة ﻟ ٥٨ دولة و٢٢ اجتماعاً صاخباً، تم التوافق على صيغة موحّدة ومبادئ عامة.
كما ساهم البروفيسور الفرنسي رينيه كاسان في بلورة الحقوق المدنية والسياسية، وشارك تشون تشانغ الصيني الكونفوشيوسي في تعميق ومناقشة التوجهات العامة، إضافة إلى إلينور روزفلت التي هيّأت الظروف لعقد الاجتماعات، وتوفير مستلزمات إدارتها.
أمّا الشخصية العربية الثانية فهو الصحفي محمود عزمي (١٨٨٩ – ١٩٥٤)، الذي ساهم في الدفاع عن حريّة الصحافة في مصر في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين، ووضع قانون نقابة الصحفيين قبل تأسيسها العام ١٩٤١، كما ساهم في تدريسها مع طه حسين ومحمد مندور وآخرين، وقد عمل على تأسيس الشعبة المصرية لحقوق الإنسان، في إطار الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في العام ١٩٣١ في باريس، وهو من اقترح حق رفع المواطن شكوى إلى الأمم المتحدة ضدّ حكومته بعد استنفاد شروط تقديمها إلى المحاكم الوطنية، شريطة أن تقترن بتأييد النقابات والجمعيات المعترف بها دستورياً وقانونياً، وهو ما تضمّنه لاحقاً البروتوكول الاختياري الملحق بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام ١٩٦٦ والداخل حيّز التنفيذ في العام ١٩٧٦.
وقد مثّل عزمي مصر في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي منذ العام ١٩٤٦ وحضر في قصر شايو بباريس؛ حيث كانت تعقد اجتماعات لجنة حقوق الإنسان، وكان المختص والمسؤول عن الجانب الإعلامي وفي الترويج للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أمّا الشخصية الثالثة فهو العراقي حسين جميل ١٩٠٨ – ٢٠٠٢، وكنت قد تناولت دوره الريادي في كتابي الموسوم «جذور التيار الديمقراطي في العراق – قراءة في أفكار حسين جميل (٢٠٠٧)». فهو أحد مؤسسي «جماعة الأهالي» العام ١٩٣٢، وكان المدير المسؤول عن صحيفتها، وساهم في تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي برئاسة كامل الجادرجي، وأصبح أمينه العام، وانتخب عضواً في مجلس النواب لأكثر من دورة، واستوزر لوزارة العدل، ثم بعد ثورة ١٤ تموز/يوليو ١٩٥٨ لوزارة الإرشاد (١٩٥٩)، وأوكلت له مهمة رئاسة لجنة صياغة الدستور العراقي المؤقت (٢٧ تموز/يوليو ١٩٥٨)، وسبق له أن انتخب نقيباً للمحامين، كما انتخب أميناً عاماً لاتحاد المحامين العرب.
وفي «مؤتمر أزمة الديمقراطية في الوطن العربي»، الذي انعقد في قبرص (١٩٨٣) بمبادرة من مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسه خير الدين حسيب، اقترح مع نخبة من المثقفين العرب تأسيس «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، وقبل ذلك بلور اقتراحاً لإبرام «اتفاقية عربية لحماية حقوق الإنسان»، قبل إقرار «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» في العام ٢٠٠٤ والذي دخل حيّز التنفيذ في العام ٢٠٠٨.
إنّ استذكار هذه الشخصيات الثلاث مناسبة لإثارة النقاش وحفز الحوار حول المساهمة العربية في رفد الحركة الكونية لحقوق الإنسان بجوانبها الفكرية والعملية، وذلك بتسليط الضوء على دور الرواد وجهودهم وتجاربهم وخبراتهم الوطنية المخلصة بعيداً عن الأجندات الخارجية والمصالح الخاصة، وهو ما ينبغي استلهامه من جانب منظمات المجتمع المدني.
المصدر: موقع “الخليج” الإلكتروني