محاولة لتعزيز التفاهم .. في اليوم العالمي للتسامح

الخميس،16 تشرين الثاني(نوفمبر)،2023

محاولة لتعزيز التفاهم .. في اليوم العالمي للتسامح

فاطمة حسن

وسط ما يشهده العالم من أزمات وتحديات وحروب مشتعلة واختلافات بين بني البشر .. تبرز أهمية قيمة إنسانية كبيرة هي التسامح.
ومع ما يشهده العالم من حروب فإن الواقع يتطلب وجود التسامح والمزيد من تقبل الآخر.
فاالتسامح يعني احترام الآخر وتقبله مهما اختلف عمره أو جنسه أو معتقده بالإضافة إلى تقدير هذا الاختلاف الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا.
وللتسامح أهمية إنسانية كبيرة خاصة في حفظ حقوق الإنسان وتحقيق السلام والديمقراطية والحد من العنف والنزاعات والحروب.
وتلتزم الأمم المتحدة بتدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب وتكمن ضرورة هذا الالتزام في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كذلك، وهي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى خصوصا في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف واتساع الصراعات التي تتجاهل الحياة البشرية.
وفي عام ١٩٩٦، دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في ١٦ نوفمبر من كل عام، من خلال أنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور.
وجاء ذلك الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في ١٩٩٣ اختيار ١٩٩٥ عام الأمم المتحدة للتسامح وفي المؤتمر العام لليونسكو في ١٦ نوفمبر ١٩٩٥، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ بشأن بالتسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح.

  • إعلان مبادئ التسامح

بمناسبة العيد الخمسين لليونسكو في ١٦ نوفمبر ١٩٩٥، إعتمدت الدول الأعضاء الـ١٨٥ إعلان مبادئ بشأن التسامح، يؤكد من جملة المبادئ التي يؤكدها أن التسامح لا يعني التساهل أو عدم اكتراث بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان، فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين.
ويحدد الإعلان كذلك مسألة التسامح ليس فقط كواجب أخلاقي، ولكن أيضا كشرط سياسي وقانوني للأفراد والجماعات والدول، كما أنه يربط قضية التسامح في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي وضعت على مدى السنوات الخمسين الماضية، والتي تؤكد على أهمية قيام الدول بصياغة تشريعات جديدة عند الضرورة لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لجميع الفئات والأفراد في المجتمع.
كما يعتبر التمييز والتهميش، إلى جانب الظلم والعنف الصارخين، أحد الأشكال الشائعة للتعصب، ولذلك، يجب أن تهدف التربية من أجل التسامح إلى درء التأثيرات التي تولد الشعور بالخوف من الآخرين واستبعادهم، كما ينبغي أن تساعد الشباب على تطوير قدراتهم لإصدار الأحكام المستقلة وتحفيز التأمّل الناقد والتفكير الأخلاقي، ولا يجدر بتنوع الديانات واللغات والثقافات والإثنيات في عالمنا أن يشكّل حجة لنشوب الصراعات بل هو بالأحرى كنز تغتني منه البشرية جمعاء.

  • جائزة “مادانجيت سنج”

ودعما لنشر التسامح بين دول العالم وشعوبها، أنشأت الامم المتحدة جائزة “مادانجيت سنج” في عام ١٩٩٥ بمناسبة الاحتفال بسنة الأمم المتحدة للتسامح وبذكرى مرور مائة وخمسة وعشرين عاما على ميلاد المهاتما غاندي.
وفي ذلك العام كذلك، اعتمدت الدول الأعضاء في اليونسكو إعلان المبادئ بشأن التسامح، وقد استلهم إنشاء الجائزة من المثل العليا الواردة في الميثاق التأسيسي لليونسكو الذي ينص على أن “من المحتم أن يقوم السلام على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر”.
وتمنح الجائزة كل سنتين خلال احتفال رسمي بمناسبة اليوم الدولي للتسامح، بوصفها مكافأة لشخصيات أو مؤسسات أو منظمات امتازت بمبادرات جديرة بالتقدير بوجه خاص، على مدار عدة سنوات، ترمي إلى تعزيز التفاهم وتسوية المشكلات الدولية أو الوطنية بروح من التسامح واللاعنف.

  • مواجهة التعصب

حددت الامم المتحدة مبادئ مواجهة التعصب في عدة نقاط:
أولا: مكافحة التعصب تستدعي قانونا، حيث أن كل حكومة مسؤولة عن إنفاذ قوانين حقوق الإنسان وعن حظر جرائم الحقد والتمييز بحق الأقليات ومعاقبتها، سواء ارتكبت على يد مسؤولين في الدولة أو منظمات خاصة أو أفراد، كما يجب على الدولة أن تضمن تساوي الجميع في الاحتكام إلى القضاء ومفوضي حقوق الإنسان أو أمناء المظالم.
ثانيا: مكافحة التعصب تستدعي التعليم، ذلك لأن القوانين ضرورية لكنها ليست كافية لمواجهة التعصب في المواقف الفردية، فغالباً ما يكون التعصب متجذراً في الجهل والخوف، كما يرتبط التعصب إرتباطاً وثيقاً بشعور مفرط بالثقة بالنفس والغرور، سواء كان شخصياً أو وطنياً أو دينياً، وهي مفاهيم تدرس وتعلم في سن مبكرة.
ثالثا: مكافحة التعصب تستدعي النفاذ إلى المعلومات، حيث يصبح التعصب خطيرا فعلا عندما يتم استغلاله لتحقيق الطموحات السياسية والأطماع بالأرض التي تنتاب أحد الأفراد أو مجموعات الأفراد، وغالباً ما يبدأ المحرضون على الكراهية بتحديد عتبة التسامح لدى العامة، ثم يطورون حججا واهية ويتلاعبون بالإحصائيات وبالرأي العام من خلال نشر معلومات مغلوطة وأحكام مسبقة، ولعل الوسيلة الأنجع للحد من نفوذ هؤلاء المحرضين تكمن في تطوير سياسات تولد حرية الصحافة وتعددها وتعززها من أجل السماح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء.
رابعا: مكافحة التعصب تستدعي الوعي الفردي، حيث إن التعصب المتفشي في مجتمع ما هو إلا حصيلة التعصب الموجود في أفراده، ويعتبر التزمت والتنميط والوصم والإهانات والدعابات العنصرية خير أمثلة على التعابير الفردية عن التعصب الذي يتعرض له الأشخاص يومياً. فالتعصب يولّد التعصب ويترك ضحاياه متعطشين للثأر، ولا يمكن مكافحة هذه الآفة إلا بوعي الأفراد للرابط القائم بين أنماط سلوكهم والحلقة المفرغة لانعدام الثقة والعنف في المجتمع.
خامسا: مكافحة التعصب تستدعي الحلول المحلية، حيث يدرك معظم الناس أن مشاكل الغد ستأخذ طابعا عالميا يوما بعد يوم لكن قلة تعي أن الحلول للمشاكل العالمية تبدأ بشكل أساسي على الصعيد المحلي، لا بل الفردي، فعندما نواجه تصعيدا في التعصب، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار الحكومات والمؤسسات لتتحرك بمفردها، فجميعنا جزء من الحل ويجب ألا نشعر بالعجز لأننا نملك، في الواقع، قدرة هائلة لممارسة نفوذنا، ويعتبر العمل السلمي إحدى الوسائل المؤاتية لاستخدام هذا النفوذ، أي نفوذ الشعب.

المصدر: ماسبيرو