مركز عدل لحقوق الإنسان بناء السلام؛
عبارة عن مفهوم يحدد البُنى ويدعمها، وهي بُنى من شأنها تمتين السلام وترسيخه في سبيل تفادي العودة إلى الصراع. ومثلما ترمي الدبلوماسية الوقائية إلى الحؤول دون نشوب صراع معين، تبدأ عملية بناء السلام في أثناء سياق هذا الصراع لتفادي تكراره. وحده العمل المتعاون والدائم لحل المشكلات الإنسانية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصاديةالكامنة يمكنه تحقيق السلام على أسس ثابتة. وإذا لم تبدأ عملية إعادة البناء والتنمية بعدالصراع، فالمتوقع ألا يعمر هذا السلام طويلاً. إن بناء السلام قضية تعني كل البلدان في كل مراحل النمو. وبالنسبة إلى البلدان التي تخرج من حالة صراع، يمنح مفهوم بناء السلام فرصة إنشاء مؤسسات اجتماعية، وسياسية، وقضائية جديدة هي بمثابة القوة الدافعة نحو التطور. فيتم القيام بإصلاح الأرض، واتخاذ تدابير أخرىُ تعنى بالعدل الاجتماعي. ويمكن للبلدان التي تمر في مرحلة انتقالية اعتماد تدابير بناء السلام بصفتها فرصة لوضع أنظمتها الوطنية على طريق النمو المستدام. تكمن المهمة الفورية لبناء السلام بتلطيف تأثيرات الحرب في السكان. وتتمثل مهماتها الأولى في المساعدات الغذائية، ودعم الأنظمة في مجالي الصحة والنظافة، وإزالة الألغام، ودعم المنظمات الرئيسة على الصعيد اللوجستي. وفي هذه المرحلة أيضاً ، من الأهمية بمكان أنُ تبذل الجهود الرامية إلى تلبية الحاجات الفورية بطرق تعزز أهداف التطور الطويلة الأجل عوضاً عن المجازفة بها. وفيما يجري توفير الغداء، يجب التركيز على إعادة قدرات إنتاجه. وبالتزامن مع تسليم إمدادات الإغاثة، يجب إيلاء الاهتمام لتشييد الطرقات، وترميم منشآت الموانئ وتحسينها، وإقامة مخازن في المنطقة ومراكز للتوزيع. يمكن لعملية بناء السلام أن تطرأ في أي مرحلة من مراحل الدورة المتصاعدة. فإذا لم تأخذ الدبلوماسية الوقائية مجراها عند أول مؤشر إلى الاضطراب، وبقيت المشكلات من دون تقويم، يمكن حينئذ لعمليات التحول، في مراحل النزاع المتطور الأولى، أن تتخذ شكل إنذار مبكر يستدعي تطبيق تدابير وقائية مناسبة. وفيما تتصاعد وتيرة النزاع ) ولا سيما إذا استحال عنفاً(، قد تتوقف عملية التحول على نوع معين من إدارة الأزمات أو التدخل، الأمر الذي قد يتطلب لاحقاً المصالحة، والوساطة، والمفاوضة، والتحكيم، وخطوات مشتركة لحل المشكلة. وفي النهاية، طبعاً، تشتمل عملية التحول على إعادة الإعمار والمصالحة. تتلخص استراتيجيات بناء السلام في كامل العمليات التي تسعى إلى التعاطي مع أسباب النزاعات والأزمات العنيفة الكامنة في سبيل ضمان عدم تكرارها، وهي تهدف إلى تلبية الحاجات الأساسية للأمن والنظام، والحماية، والطعام، واللباس. فما تقوم به معظم المجتمعات بصورة عفوية هو بناء السلام – أي تطوير الأنظمة الوطنية والدولية الفاعلة الصانعة للقرار، وآليات حل النزاعات وتدابير التعاون لتلبية الحاجات الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية، وتسهيل المواطنة الفاعلة. تجري عملية بناء السلام على الأصعدة كافة في الموطن في الجماعة، على المستويين الوطني والدولي. ومنها على سبيل المثال، وضع أنظمة ضبط التسلح في مكانها، وزيادة أعداد آليات بناء الثقة كمحاولات تضمن التعاون والسلام في الصفقات الوطنية والدولية. كذلك هي الحال مع المبادرات في داخل البلاد التي ترمي إلى تقليص الفجوات بين الغني والفقير، ونشر مبادئ حقوق الإنسان الأساسية بين الشعوب كافة، وبناء عمليات التنمية المستدامة. تتضمن استراتيجية بناء السلام في فترة ما بعد النزاع ستة عناصر رئيسة: – إعادة إطلاق الاقتصاد الوطني؛ – استثمارات لامركزية مؤسسة على الجماعة؛ – إصلاح شبكات الاتصالات والمواصلات الرئيسة . – نزع الألغام ( من المواقع المناسبة والمرتبطة باستثمارات أولية أخرى ) . – تسريح المقاتلين السابقين وإعادة تأهيلهم . – إعادة دمج السكان المهجرين . تعتبر عملية بناء السلام متممة لعملية حفظ السلام. إذ يتطلب فض النزاع بذل الجهود على مستويات عدة. ففي حين يقتصر حفظ السلام على قوات عسكرية تمثل طرفاً ثالثاً في محاولة لاحتواء العنف أو الحؤول دونه، يشتمل بناء السلام على مبادرات مادية، واجتماعية وبنيوية من شأنها أن تساعد على إعادة الإعمار وإعادة التأهيل. فمعظم عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تستتبع عملية بناء السلام إلى حد معين.