تقسيم إقليم كردستان على الطاولة

عدنان حسين
الإثنين،30 تشرين الأول(أكتوبر)،2017

في بيان أصدرته الأسبوع الماضي عقب اجتماع في أربيل، حدّد 32 حزباً في كردستان العراق موقفها حيال الأزمة الناشبة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، وهو موقف شدّد على «ضرورة الحفاظ على وحدة الصفّ بين الأطراف السياسية، وإدانة الهجمات العسكرية والقرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة العراقية ضد إقليم كردستان»، و«عدم التخلي عن نتائج الاستفتاء»، و«استعداد الإقليم لإجراء الحوار غير المشروط، على أساس الدستور وبعيداً عن سياسة فرض الأمر الواقع».
البيان تضمّن أيضاً بنداً قالت فيه الأحزاب: «نرفض بشدّة أي خطوة باتجاه العودة إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين، ويجب أن يدخل إقليم كردستان موحداً إلى أي حوار مع الحكومة العراقية».
هذا البند لم يُوضع كتحصيل حاصل، مثل الشعارات التعبوية التي تُخطّ على اللافتات، إنّما أُريد به إبلاغ رسالة في مواجهة حركة نشيطة لتحقيق ما أعلن البند رفضه له، وهو تقسيم إقليم كردستان العراق والعودة به إلى حال نشأت في منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما اختلف الحزبان الرئيسيان الحاكمان في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، على إدارة الإقليم وجباية الموارد المالية على نحو خاص. وقد انقسم الإقليم يومها على نفسه وخضع إلى إدارتين إثر صراع مسلح دام نحو ثلاث سنوات.
إعلان الأحزاب الاثنين والثلاثين عن رفض العودة إلى أيام الانقسام والصراع المسلح لم يأتِ من فراغ، فمنذ مدّة تجرى جهود حثيثة لتفجير صراع بين الأحزاب الكردستانية على خلفية خلافات على الإدارة والموارد أيضاً انضمّت إليها حركة «غوران» (التغيير) والجماعة الإسلامية وسواهما ممن هم على علاقات وثيقة غير مكتومة مع إيران.
الاستفتاء على حقّ تقرير المصير الجاري في الإقليم في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، وجد فيه المشتغلون على تقسيم الإقليم فرصة ثمينة، فحركة التغيير والجماعة الإسلامية وجناح في الاتحاد الوطني الكردستاني يقوده أفراد من عائلة الرئيس الراحل طالباني، عارضت الاستفتاء مباشرة أو مداورة، وتحمّست لإجراءات الحكومة العراقية بعد الاستفتاء، وبخاصة فرض سيطرتها على كركوك وسائر المناطق المتنازع عليها، بعد صفقة بين حكومات العراق وإيران وتركيا، وبتسهيل من جناح عائلة طالباني المتنفذ في كركوك، فكانت النتيجة أن تحمّست أطراف إيرانية وغيرها للدفع باتجاه أن تكون القوى الرافضة للاستفتاء ونتائجه «ممثلاً شرعياً وحيداً» لإقليم كردستان، وجعل مدينة السليمانية، معقل هذه المجموعات، عاصمة للإقليم، أو أقلّه مقراً لحكومة «إنقاذ وطني» تكون الطرف الذي يفاوض الحكومة الاتحادية في مرحلة ما بعد كركوك.
من دون التقليل من شأن الدعم المالي واللوجيستي والسياسي الذي يُمكن أن تحظى به من بغداد وطهران وأنقرة مجموعات السليمانية التي لحقت بها الآن جماعات تركمانية في كركوك، لتحقيق فكرة التقسيم والإدارتين، فليس من المُتوقع أن تُكلّل هذه الجهود بالنجاح، إذ لم تزل للحزب الديمقراطي الكردستاني شعبية في صفوف الكرد، وعملية الاستفتاء زادت من هذه الشعبية في الواقع، وعليه ليس مُقدّراً أن يكون لهذه المساعي عواقب غير ممارسة الضغط على قيادة الديمقراطي الكردستاني لإضعاف دوره ونفوذه.
من المُفترض أن حكومة بغداد على وجه الخصوص تُدرك واقع أن الحزب الديمقراطي ربما هو الآن، كما كان دائماً، الرقم الأصعب في المعادلة الكردية. على مدى تاريخ القضية الكردية في العراق لم تنجح أي من الحكومات التي استخدمت القوة لإنهاء الثورة الكردية، في إضعاف نفوذ «الديمقراطي الكردستاني» ودوره في الثورة. كل تلك الحكومات انتهت دائماً إلى الاتفاق مع هذا الحزب وليس مع أحد سواه، فلدى قيادته كان على الدوام قرار الحرب وقرار السلم.
في عام 1966 تفاوضت حكومة عبد الرحمن البزاز مع الحزب لوقف القتال، على الرغم من أن مجموعة «المكتب السياسي» المنشقّة عن الحزب بقيادة إبراهيم أحمد وجلال طالباني كانت تتعاون مع الحكومة ولها مكاتب علنية في بغداد. تلك المفاوضات أسفرت عن اتفاق على وقف القتال بين القوات الحكومية والبيشمركة، فصدر على أثر الاتفاق بيان 29 يونيو (حزيران) 1966 الذي انقلب عليه وعلى البزاز لاحقاً العسكر. بعد انقلاب 17 يوليو (تموز) 1968 تفاوض الحكم البعثي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضاً، مع أن جماعة «المكتب السياسي» كانت تعمل في بغداد ولديها مقارّ وصحيفة يومية، فأسفرت المفاوضات عن اتفاقية 11 مارس (آذار) 1970 وإعلان الحكم الذاتي. وفي 1991 عندما بدأت المفاوضات بعد الانتفاضة التي أعقبت حرب الخليج الثانية، ذهب وفد الجبهة الكردستانية إلى بغداد بقيادة جلال طالباني، لكنّ صدام حسين أصرّ على وجود رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في قيادة الوفد إلى جانب طالباني للمضي في المفاوضات، إدراكاً لنفوذ حزب بارزاني وعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام جدّي من دونه. وفي العهد الحالي كان الحزب الديمقراطي الكردستاني أحد القوى الرئيسة المقرّرة في عملية تشكيل الحكومات واختيار رؤسائها.
في السياسة عادة ما يفضّل الأقوياء، أقوياء مثلهم لعقد الاتفاقات الراسخة والتحالفات القوية.. العراق لن يكون الاستثناء من هذه القاعدة. وإذا كانت تحركات أطراف إيرانية، مؤيّدة طوعاً أو كرهاً من أطراف كردستانية وعراقية، للإخلال بالمعادلة القائمة في إقليم كردستان العراق، تحقيقاً لمصلحة إيرانية، فليس هذه المصلحة متوافقة بالضرورة مع المصلحة العراقية، فلا بدّ أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المتطلّع إلى ولاية ثانية، يُدرك أن قيام إدارتين في الإقليم، إحداهما خاضعة لنفوذ إيران وخصوم العبادي المحليين، سيعني إطاحة الحلم بالولاية الثانية.
—————————————
الشرق الوسط 30/10/2017م