منظمات حقوقية تطالب الخارجية الأمريكية بإدراج ما يسمى بالجيش الوطني السوري على قائمة الإرهاب الدولية

منظمات حقوقية تطالب الخارجية الأمريكية بإدراج ما يسمى بالجيش الوطني السوري على قائمة الإرهاب الدولية

معالي وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية
السيد مايك بومبيو المحترم

الموضوع: طلب تصنيف الجيش الوطني السوري التابع للائتلاف الوطني السوري المعارض ضمن قوائم الإرهاب الدولية أسوة بالحرس الثوري الإيراني وهيئة تحرير الشام.

معالي الوزير:

في الآونة الأخيرة صدر عن وزارتكم الموقرة بيانٌ سمي ببيان الحقائق بخصوص تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، حيث صنفت سلطات مكافحة الإرهاب بموجب الأمر التنفيذي رقم ( 13224 ) الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، وحيث أن المعايير التي تم بموجبها تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية تنطبق ذاتها على المجاميع الإرهابية المسلحة التي تسمى بالجيش الوطني السوري والتي تسيطر على منطقة عفرين السورية ذات الهوية والخصوصية الكردية، وذلك لكون هذا الجيش هو عبارة عن خليط من بقايا التنظيمات الراديكالية الإرهابية العالمية كتنظيم داعش والنصرة والقاعدة والذي يشكل خطراً على السلم والأمن العالميين ويشكل تهديداً مباشراً لأنصار الحرية والسلام في العالم من جهة، ولكون الجرائم التي يرتكبها الجيش الوطني السوري بحق السكان الكرد المدنيين لا تقل بشاعة عن الجرائم التي يرتكبها الحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى، لا بل وربما أكثر بشاعةً وإجراماً منها، نظراً لارتقائها إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وذلك بدلالة وشهادة التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا بتاريخ 28 /2 /2019، والمقدُم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الأربعين. وكذلك التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية بتاريخ 26 / 2 / 2019، والذي تم بموجبه اتهام ما يسمى بالجيش الوطني السوري صراحةً بارتكاب جرائم حرب في منطقة عفرين.

لذلك و سنداً لمجمل ما سبق بيانه أعلاه:
جئنا نحن المنظمات والهيئات الحقوقية والمدنية أدناه نلتمس معاليكم:
-وضع الجيش الوطني السوري على قوائم الإرهاب الدولية وذلك وفقاً للفصل ( 219 ) من قانون الجنسية والهجرة الأمريكي.
-العمل على إخراج وطرد الجيش الوطني السوري الإرهابي من منطقة عفرين وإنهاء الاحتلال التركي لها
-فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية على الدول والجهات والمنظمات والأفراد التي تتعامل مع هذا الجيش الإرهابي.

ودمتم سنداً و نصرةً للشعوب المظلومة في العالم

29 / 4 / 2019
المنظمات الموقعة:  

  1-الهيئة القانونية الكردية
2-مركز ليكولين للدراسات والأبحاث القانونية – ألمانيا
3-لجنة حقوق الإنسان في سوريا (ماف)
4-الجمعية الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان في النمسا
5-منظمة حقوق الإنسان في سوريا (ماف)
6-مركز “عدل” لحقوق الإنسان
7-منظمة مهاباد لحقوق الإنسان

 

العالم يحتفل باليوم العالمي لموسيقى الجاز

متابعة مركز “عدل” لحقوق الإنسان

30 نيسان/أبريل من كل عام، هو اليوم العالمي لموسيقى الجاز. وقد جاءت مبادرة إنشاء يوم عالمي لموسيقى الجاز من عازف البيانو الأمريكي، والملحن وسفير اليونسكو للنوايا الحسنة للحوار بين الثقافات “هيربي هانكوك”، وكان الغرض من هذه المبادرة هو تركيز الاهتمام العالمي على الدور الذي لعبه الجاز في كسر الحواجز العنصرية والتمييز ضد الجنس في جميع أنحاء العالم؛ وفي تعزيز التعاون والتفاهم المتبادل، والاتصالات والسلام والحرية.

حددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011، يوم 30 نيسان/ أبريل يوماً دولياً للجاز، من أجل إبراز موسيقى الجاز ودورها الدبلوماسي في توحيد الناس في جميع أنحاء العالم.

والجدير بالذكر أن البدايات الأولى لموسيقى الـ “جـــاز”، كانت في منتصف القرن التاسع عشر، وعلى وجه الخصوص في مدينة “نيو أورلينز” في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي اشتملت حينها على خليط من المهاجرين الأسبان والإنجليز والفرنسيين، كما أن تجارة العبيد و”استخدامهم” كانت منتشرة بكثرة في ذلك الوقت.

خطاب الكراهية لا يقدم حلاً لمشكلاتنا الخلافية!

بير رستم
هنا في الدول المتقدمة يمكن، بل أكيد ستحاكم على ما يعرف بـ“خطاب الكراهية” وذلك كأي جرم يمكن أن ترتكبه المرء بحق الآخر، لكن في عالمنا ودولنا والتي ما زالت تعاني من عدد من القضايا والإشكاليات الفكرية والمجتمعية، فإن المرء يمكن أن يوجه ويعمل ضمن أنساق فكرية ومؤسساتية تدعو ليس فقط لخطاب الكراهية، بل يمكن أن تدفع بفئة ومكون اجتماعي ما – أقوامي، ديني، مذهبي، طائفي، حزبي – لأن ترتكب بحق فئات مجتمعية أخرى المجازر والويلات ومن دون أن يلتفت أحد لها ولخطابها، كون الفعل الجرمي موجود فمن يلتفت للكلام النظري في واقع الجريمة والفعل الإجرامي ولذلك تجد بأن نصوصنا وخطابنا، ليس فقط الديني والتراثي، بل المعاصر والسياسي – وحتى الاجتماعي – يحمل الكثير من المفردات التي تدعو إلى العنف والجريمة ومن دون محاسبة، بل بتشجيع من الفريق والطرف الذي يتبنى ذاك الخطاب الفئوي.

طبعاً قد يبدو للكثيرين بأن خطابنا ودعوتنا هذه فيه الكثير من المثالية وهم بذاك محقين، كون واقعنا اليومي جد عنيف ومتأزم ومن الصعب بهكذا بيئة مجتمعية أن تقدر على الطلب من الآخر أن يكون “ملاكاً”، لكن الدعوة هنا ليست دعوة مجتمعية، بل هي دعوة للنخب السياسية والثقافية وقبلها للذين يعملون في المنظمات والهيئات القانونية وجماعات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وذلك بأن تتكاتف الجهود بحيث يكون هناك خطاب وطني – في الحالة السورية مثلاً – وأن يتم التصدي لكل الخطابات التي “تكفر” الآخر دينياً أو قومياً، بل وصل الأمر ببعض الجماعات مثل الحالة الكردية، أن بات أحدنا “يكفر” الآخر حزبياً، ناهيكم عن التكفير الطائفي والمذهبي في الحالة الاجتماعية العربية والتي تعود لقرون .. وهكذا وللأسف؛ بدل أن تكون المنظمات المجتمعية – أحزاب ومنظمات خيرية – هي جهات تعمل للتوافق الوطني فهي في جلها – إن لم نقل كلها – تبث خطاباً طائفياً تزيد من الاحتقان والأحقاد في الشارع الوطني؛ الكردي أو السوري عموماً!!

إننا نأمل من الجميع وبالأخص النخب الثقافية، العمل على التأسيس لثقافة وطنية تقبل بالآخر المختلف – وليس الآخر الذي نريده على مقاساتنا حيث وللأسف؛ عندما نقول بأننا نقبل الآخر، فإننا نريده وفق مقاسات محددة نختارها نحن وبالتالي نجعله نسخة فوتوكوبية مشوهة لمعارضات مسخة مأجورة – كون دون تقبل المختلف لن تكون هناك الحلول لمشكلاتنا المختلفة، بل ستكون المزيد من الأزمات والحروب والكوارث وبالتالي المزيد من الدماء والآلام والدموع وأعتقد الوقت قد حان لنقف جميعاً لحظة ونلتفت لنرى ماذا تركنا خلفنا من دمار؛ دمار للروح والمجتمع والبلاد حيث الموت في كل مكان وسنحتاج لسنوات وعقود لنعيد بعض ما دمرناه. بالأخير أود فقط أن أقول العبارات التالية؛ مهما كنت على خلاف مع المعارضة أو النظام أو كان الخلاف كردياً / عربياً أو سنياً / علوياً أو كردياً / كردياً .. ، فإن خطاب الكراهية والحروب والقتل لن يقدم لك الحل، بل فقط القبول به والحوار معه وصولاً للتشارك ضمن حالة مدنية ديمقراطية.

ونداءنا للجميع؛ أوقفوا الكارثة والمقتلة السورية، فإن الإنسان السوري بات مدمراً عجزاً يبحث عن لحظة إنسانية يعيش بهدوء وسلام مع جاره الآخر المختلف.

قمة دولية تحذر من انتشار خطاب الكراهية والعنف

متابعة مركز “عدل” لحقوق الإنسان

استضافت الأمم المتحدة يوم الاثنين 29 نيسان/أبريل 2019, القمة الدولية الثانية للدين والسلام والأمن, والتي تتركز أهدافها على مواجهة خطاب الكراهية والعنف المتذرع بالدين. وتأتي القمة في وقت “يزداد فيه الانقسام بين الأمم والشعوب” حسبما حذر المنظمون الأمميون.

القمة الدولية التي يشترك في تنظيمها الرابطة الدولية للدفاع عن الحرية الدينية، والمستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية “أداما ديانغ”، تتقاطع مع إطلاق الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” مبادرتين عاجلتين: الأولى لوضع خطة عمل استجابة منظومة الأمم المتحدة للتصدي لخطاب الكراهية، والثانية لبحث إسهام الأمم المتحدة في ضمان سلامة المواقع الدينية وحمايتها.

وفي تحذير من إعادة إحياء الجماعات والأحزاب القومية المتطرفة، قال “أداما ديانغ” أمام القمة إن هذه الجماعات “شرعنت الانتهاكات” من خلال تصويرها للأقليات على أنها تمثل تهديدا لثقافاتها وهوياتها. مضيفاً أن هذه المجموعات “تنشر لغتها السامة في الخطاب السياسي السائد” في الحياة العامة. مشدداً على الحاجة إلى إيقاف هذه التفاعلات بشكل جماعي ونشط، “ومواجهتها برسائل تدعو للانفتاح والشمول”.

من ناحية أخرى خاطب المشاركين في القمة الدولية الثانية المديرُ العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف “مايكل مولر”، محذرا من أن خطاب الكراهية صار ينتقل “كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليصل إلى الخطابات العامة” في المجتمعات حسب تعبيره. ووصف “مولر” ذلك بالأمر المهدد للقيم  “وللاستقرار الاجتماعي والسلام نفسه”. وقال إن مثل هذا الخطاب الذي يحض على الكراهية هو “أرض خصبة لشر لا يسبر غوره”.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد تحدث عن انتشار خطاب الكراهية على الإنترنت، معربا عن قلقه البالغ من احتمال “الاقتراب من لحظة محورية في المعركة ضد الكراهية والتطرف” حسب تعبيره. وقال “أنطونيو غوتيريش”، في بيان صحفي، إن على العالم أن يكثف جهوده للقضاء على معاداة السامية، وكراهية المسلمين، واضطهاد المسيحيين، وجميع أشكال العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز والتحريض.

المصدر: مركز أنباء الأمم المتحدة

ثقافة السلام بين الاهتمام الدولي وحاجة الداخل (ح1)

د. خليل خيرالله

السلام قيمة تلازم أمن الحياة واستقرارها وتتيح للمجتمع تطوراً سلمياً. لكن بين وضع اللاحرب واللاسلم، وأمام الحروب الذكية التي تخاض من دون مدفع أو رشاش، وأمام السلام بمفهومه الحقيقي خيط رفيع قد لا يسهل تبيّن أسوده من أبيضه.

وحين نتكلم عن تعبير اسمه ثقافة السلام يعنينا منذ البداية تحديد المفردات، لأن التعيين شرط الوضوح ولأن تعيين المقصود بثقافة السلام يدلنا على أي سلام نريد وكيف نرسخه في حياتنا.

يمكن تعريف الثقافة لغوياً بالآتي: ثقف الرجل من باب ظرف صار حازقاً… ومنه المثاقفة، وثقف من باب طرب فهو ثقف، والثقاف هو ما تسوى به الرماح وتثقيفها تسويتها. وثقفه من باب فهم. 1 وقد لا توفر هذه المعاني اللغوية ما نقصده من تعبير ثقافة السلام، لكنني أختار منها تسوية الرماح ثقف الرمح أي سوّاه لارتباطه بالتربية، مع الإشارة إلى أن تعريفات الثقافة كثيرة بدءاً من توصيفها الجامد إلى مفهومها الديناميكي المرتبط بعلاقات الناس ومفاهيم وأنماط حياتهم وتعبيراتهم.

وعن مفردة سلام، جاء في القاموس المحيط: «والسلام من أسماء الله تعالى والسلامة البراءة من العيوب. وسلم من الآفة بالكسر سلامة، وسلمه الله تعالى منها تسليماً وتسلمه أعطيته فتناوله. والتسليم الرضا والسلام وأسلم انقاد وصار مسلماً. وأمره الى الله سلمه وتسالماً تصالحاً وسالماً صالحاً»… 2

ويمكن تعريف السلام بأنه حالة يخلو فيها العالم أو المجتمع من الحروب والنزاعات ويسوده الأمن والاستقرار.

وغني عن البيان أن المعنى اللغوي للمفردتين قاصر عن استيعاب ما يعنيه تعبير ثقافة السلام كمصطلح ديناميكي متحرك، إذ أن صياغة هذا المفهوم تأخذ بعداً فلسفياً واجتماعياً وأخلاقياً وثقافياً عالي الأهمية في حياة المجتمعات.

وبحسب تعريف الأمم المتحدة، ونحن نعتمده هنا، فإن ثقافة السلام هي مجموع القيم والمواقف والتصرفات وطرق الحياة التي تنبذ العنف وتتدارك النزاعات قبل حصولها فتعالج أصولها بالحوار والتفاوض بين الأفراد والجماعات والدول. 3 وهذا يعني احترام الحياة والإنسان والكرامة الإنسانية.

وعليه ليست ثقافة السلام مفهوماً جامداً أو مجرّد قول مرصوف، بل هي قوة فاعلة متحركة وهي حاجة قبل أن تكون التزاماً داخلياً بين أفراد المجتمع وجماعاته أو عالمياً بين مختلف الدول.

يبقى السؤال كيف نرسخ هذه الثقافة في حياتنا، أي كيف ننقلها من المبادئ وحتى من القلوب والعقول إلى مجاري حياتنا ومؤسساتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية فتصبح إذاك قوة حياة فاعلة وواقعاً حياً ملموساً؟

نبدأ ببحث ثقافة السلام في اهتمامات الأمم المتحدة وفي حاجات الداخل الوطني أولاً ثم ترسيخ ثقافة السلام عبر التربية ونشاط منظمات المجتمع المدني إضافة إلى عوامل أخرى ثانياً .

أولاً: ثقافة السلام اهتمام دولي وحاجة داخلية

شددت النصوص التأسيسية للأمم المتحدة على السلام ثم، في تاريخ حديث، على ثقافة السلام كاهتمام عالمي قبل أن تتحول الى حاجة وضرورة للأفراد والجماعات ضمن المجتمع الواحد.

1 – السلام وثقافة السلام في النصوص الدولية:

بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها تاركة دماراً هائلاً وعدداً من الضحايا فاق عشرات الملايين، تم توقيع شرعة الأمم المتحدة من قبل خمسين دولة، وقد نصت على منع الحروب وفرضت حلّ الخلافات بشكل سلمي جاعلة بذلك من السلام حقاً. وقد تصدرت فكرة العيش بسلام وحفظ السلام كل من مقدمة الشرعة والمادة الأولى منها 4 .

ثم صدر الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 وتضمنت مقدمته، بل المقطع الأول منها، تشديداً على كرامة الإنسان كأساس للحرية وللعدالة وللسلام في العالم.

عام 1976 أكدت هيئة حقوق الإنسان حق كل شخص بالحياة في حالة من السلام والأمن. عام 1978 أكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في إعلان لها تحضير المجتمعات للعيش بسلام 5 . وأن كل الأمم وكل الكائنات البشرية لها حق أصيل بالعيش بسلام مادة1 وكل الدول عليها واجب أخذ التدابير الكفيلة بتنشيط المثل العليا للسلام.

ومن أبرز النصوص الدولية نجد «إعلان حق الشعوب بالعيش بسلام»، الذي صدقته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرارها رقم 39/11 تاريخ 12 تشرين الثاني لعام 1984 وتناول إعادة تأكيد المهمة الأساسية على عاتق منظمة الأمم المتحدة وهي حفظ السلام والأمن الدوليين 6 ، لكنها قصرت حق السلام بالشعوب، من دون ذكر حق الأفراد بالسلام، معتبرة أنه حق مقدس وأن تحقيقه موجب أساس على عاتق كل دولة.

وفي 26 حزيران عام 1989 في ياماسوكرو، عقدت الأونيسكو مؤتمراً بعنوان: «السلام في عقول الرجال»، ومن طروحاته الأساسية تطوير ثقافة السلام… ثم مؤتمر باريس في شباط 1994 بعنوان: «المؤتمر الأول لثقافة السلام» وفيه تم تحديد مفهوم ثقافة السلام. وفي عام 1997 أعلنت الأونيسكو بوضوح إرادتها بأن تجعل من السلام حقاً إنسانياً: «على أن حق الإنسان بالسلام يشكل أساس ثقافة السلام».

وفي 20 تشرين الثاني 1997 صدر قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 52/15 أعلنت فيه السنة 2000 سنة عالمية لثقافة السلام. وكذلك قرارها رقم 53/25 تاريخ 10 تشرين الثاني 1998 أعلنت فيه الفترة الممتدة من 2001 حتى 2010 «عشرية عالمية لتشجيع ثقافة اللاعنف والسلم لمصلحة أطفال العالم» 7 .

وفي 13 أيلول 1999 تبنت الجمعية العمومية إعلاناً حول ثقافة السلام ثم أتبعته بخطة عمل متكاملة وذات أهداف واستراتيجية واضحة تلحظ أهدافاً للمؤسسات الدولية وللمجتمع المدني، كي تشكل أساساً للسنة العالمية لثقافة السلام وللعشرية العالمية المذكورة 8 .

وتجلت هذه العشرية بنشاطات كثيرة قامت بها الدول ونشأت فيها جمعيات مدنية ناشطة في مجال اللاعنف والسلام، حتى تأسس عام 2003 ما سمي بالتنسيق العالمي للعشرية، ونشأت حتى كانون الثاني 2010 في القارات الخمس 1054 جمعية 9 . تنشط هذه الجمعيات وتأخذ شرعيتها من المجموعة الدولية وتقيم في 21 أيلول من كل سنة يوماً عالمياً للسلام. وقد حثّ قرار الجمعية العمومية الأونيسكو على إنشاء صندوق لتمويل مشاريع هذه الجمعيات وحثّ «هيئة تثبيت السلام» على متابعة تنشيط ثقافة السلام في مبادراتها لما بعد النزاعات، كما تم إنشاء «التجمع العالمي للمدربين على ALEP: Association internationale des ducateurs a la paix السلام».

ومن نافل القول إن هذه النصوص وهذه النشاطات، على أهميتها في بناء ونشر ثقافة السلام، تبقى غايتها بعيدة المنال في عصرنا، وقد طاولت الحروب والنزاعات مناطق كثيرة ووقفت الأمم المتحدة عاجزة أمام حل قضايا عادلة أبرزها قضية فلسطين. وغالباً ما تخضع مؤسسات الأمم المتحدة لمصالح الدول الكبرى التي انتصرت مصالحها في الحرب العالمية الثانية، تحركها أو تجمد حركتها بحسب مصالح وقوة الأقطاب أو القطب المهيمن عليها، وهكذا يغيب السلام عن منطقتنا ويحل العنف.

لكن أخطر ما يحدث اليوم هو شن الحروب وتدمير المجتمعات واستباحة الشعوب الأضعف لنهب ثرواتها وضرب وحدتها وترويج صناعة الأسلحة وتجارتها لتنشيط اقتصادات الدول الغازية، وكل ذلك باسم السلام وباسم الديمقراطية وباسم حقوق الإنسان، وتصوير الدول المعتدية نفسها كدول قيّمة على هذه القيم السامية وحارسة لتطبيقها في العالم، وهي دول كواسر، في تاريخها صفحات سوداء من انتهاك القيم وحقوق الإنسان وزرع الموت بين البشر. يبقى أن نرى حاجة مجتمعنا إلى ثقافة السلام وحل نزاعات الجماعات والمواطنين فيه على الأسس والمبادئ التي وضعتها الأمم المتحدة والتي تمليها مصالحنا الوطنية.

——————————————————

هوامش

  1. ص 311 الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر: مختار الصحاح. عني بترتيبه محمود خاطر
  2. الفيروز ابادي، محي الدين محمد بن يعقوب: القاموس المحيط. الجزء الرابع. دار الجيل. بيروت 1952م. ص132
  3. R solutions des Nations Unies A/RES/52/13:Culture de la paix et A/53/243:D claration et Programme d action sur une culture de la paix, approuv e en octobre 1999
  4. Le droit humain a la paix dans les texts existants des droits dev l homme. www.graines-de-paix.org/fr/outils-de-paix
  5. ٌRes.33/73
  6. D claration sur les droits des peuples a la paix. www.ohchr.org/fr
  7. www3.unesco.org/iycp

 

المرأة والسلام والأمن: الانتقال من القول إلى الفعل(1)

احتفت المنظمات غير الحكومية للمرأة على نطاق واسع بالقرار 1325، ودعمت تبنيه عالميًا. لقد كانت المرة الأولى التي يخصص فيها مجلس الأمن جلسة كاملة لمناقشة تجارب المرأة أثناء النزاعات وبعدها، كما جذب الانتباه لما يُطلق عليه ” الارتباط الوثيق بين المساواة بين الجنسين والسلام والأمن العالميين” (‘مراجعة على أعلى مستوى حول المرأة والسلام والأمن: 15 عامًا من قرار مجلس الأمن 1325’). تلا ذلك مزيد من القرارات: 1820 (2008)، و1888 و1889 (2009)، و1960 (2010)، و2106 و2122 (2013)، و2242 (2015).

المرتكزات الأربعة:

ترتكز هذه القرارات على بعضها البعض وتدعم ما اصطلح عليه باسم “المرتكزات الأربعة” لجدول أعمال المرأة والسلام والأمن المعلن في القرار 1325:

المشاركة – المشاركة الكاملة والمتكافئة والتمثيل على جميع مستويات اتخاذ القرار، بما في ذلك محادثات السلام والمفاوضات والعملية الانتخابية (الترشيح والتصويت)، ومناصب الأمم المتحدة والمجال الاجتماعي السياسي الواسع.

منع النزاعات – تضمين منظور لنوع الجنس ومشاركة المرأة في منع نشوب النزاعات المسلحة وانتشارها وعودة ظهورها، وكذلك مواجهة الأسباب الجذرية بما في ذلك الحاجة إلى نزع السلاح. مواجهة العنف المتواصل وتبني منظور السلام الشامل المستند إلى المساواة وحقوق الإنسان والأمن للجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر تهميشًا، وتطبيق ذلك على الصعيدين المحلي والدولي.

الحماية – حماية خاصة لحقوق السيدات والفتيات واحتياجاتهن أثناء النزاعات وما بعدها، ويشمل ذلك الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي والمستند إلى نوع الجنس وملاحقتها قضائيًا والتطبيق المحلي للقوانين والمعاهدات الإقليمية والدولية.

العلاج والتعافي – الوصول إلى الخدمات الصحية والإرشاد النفسي عند الصدمات، ويشمل ذلك الناجيات من العنف الجنسي والمستند إلى نوع الجنس.

وبالتالي تعتبر المرتكزات الأربعة موضوعًا جوهريًا في السياسات الخارجية والعسكرية المعاصرة.

——————————

مجلة ناتو

(1) الصورة: الممثلة والمبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنجيلينا جولي، ووزير الخارجية البريطاني في ذلك الحين ويليام هيج يتحدثان في قمة عالمية حول إنهاء العنف الجنسي أثناء النزاعات، في لندن (10 يونيو 2014).

نظرية نضج النزاعات الدولية للحل

 حمدوش رياض

 يفترض زارتمان أنه خلال مرحلة معينة من النزاع ، تظهر الأطراف المتحاربة استعدادها للتداول بشأن مقترحات التسوية التي طالما تغاضت عنها في السابق، ويعود ذلك إلى إدراكها بأن أي بديل عن التفاوض سيؤدي إلى كارثة، فضلا عن أنه لا تلوح في الأفق أية علامات لإمكانية الحسم العسكري.

 هنا نكون أمام ما يسمى بلحظة النضج moment Ripe والتي تحسّن وبشكل مفاجئ من فرص النجاح لجهود الوساطة. حيث يتحول قادة أطراف النزاع عن عقلية الانتصار Mentality Winning  لصالح عقلية التوفيق Mentality Conciliating وحسب تعبير Campbell فإن القبول بالحل التفاوضي لا يعود إلى إتباع إجراءات معينة فحسب، ولكنه يعود بالأساس إلى مدى جاهزية  الأطراف لاستغلال الفرص، ومواجهة الخيارات الصعبة، وتقديم تنازلات متبادلة ومتكافئة، باختصار يجب أن تفعل الشيء الصحيح في الوقت المناسب(1).

 إن دمج النموذجين الذين اقترحهما “زارتمان” ضمن نموذج واحد يعد دعامتان جوهريتان لمفهوم لحظة النضج، إذ يصنعان وبشكل متكامل الظروف المواتية والسياق الملائم للحل، ومن هنا فإن التمييز

بينهما هو لأغراض تحليلية وليس لأسباب مفهوماتية. واستعمالها بشكل مترابط يمدد من فرص نضج النزاع لجهود الحل.

 وعلى هذا الأساس، فإن تصور لحظة النضج يقوم على إدراك أطراف النزاع بأنهم يعيشون مأزقا  صعبا متبادلا Mutually Stalemate Hurting ،لا تبدو في الأفق أية نهاية له، وحيث ال يمكنك

الحصول على النجدة ولا تظهر هناك أية إمكانية لتصعيد حاسم يحقق النصر. بينما تماثل الكارثة المتبادلة Catastrophe Mutual Imminent تخطي حافة الهاوية Precipe أو النقطة التي تسوء فيها الأمور بشكل مفاجئ.

 إن إدراك أطراف النزاع بأنها في مأزق، ولو بدرجات متفاوتة، يجعلها تحس بأنها محتجزة ضمن وضعية لا تكون لهم معها أية مكاسب من خلال الاستمرار في التصعيد، وهنا يدركون بأنه يتعين عليهم البحث عن سياسة بديلة أو مخرج لهذا النفق المسدود deadlock ويؤكد “هنري كيسنجر”، مهندس عملية السالم في الشرق الأوسط ذلك، بإقراره بأن المأزق (المتبادل) هو إحدى الشروط الأساسية لنجاح التسوية.

 ويستند إحساس أطراف النزاع بأنها أمام مأزق إلى المعاناة وتزايد الخسائر التي ترتبط باستمرار التصعيد وعندما يرتفع معامل التكاليف نسبة إلى المكاسب بشكل دراماتيكي، تشعر بالاحتجـاز وتبحـث عـن بديـل آخـر. ويـرتكز ذلك على خاصية التعلم حيث أن المجموعات الأثنية المتنازعة تعتبر بدروس الماضي، وفي خياراتها المستقبلية، فإنها تأخذ بعين الاعتبار معاناتها السابقة والتكاليف التي تحملتها.

 ومن منظور نظرية المباريات، يمكن التعبير عن المأزق بالانتقال من “ورطة السجين Prisoner”  Game Dilemma إلى “ورطة الجبان Game Dilemma Chicken” أي من المحصلة السلبية  التي تميز الوضع القائم أو التفاوض إلى محصلة إيجابية(2).

 وأخيرا، لابد من الإشارة إلى أن عجز مفهوم لحظة النضج عن تقديم تفسير للكثير من حالات نجاح جهود التسوية والحل قاد بعض الباحثين إلى إحداث تعديلات على التصور العام للنضج.

حيث”جون ستيفن ستيدمان Stedman. S John ،” ومن خلال بحثه حول زمبابوي أظهر أن نجاح عملية الوساطة لا تستدعي حصول مأزق ضار متبادل بل يكفي أن يتم إدراك المأزق من قبل الراعي الذي يقف وراء طرف معين. وأضاف لهذا الطرح عنصرا آخر وهو أن الجناح العسكري هو أهم طرف معني في المعادلة بتلقي أو إدراك المأزق، ثم أنه يجب أن يقتنع الأطراف بأن المفاوضات بديل  جيد لتحقيق النصر(3).

 ويعرف “بروكنر Brockner” و”روبين Rubin” المصيدة بأنها نوع من التصعيد تتزايد فيه الضغوط على المتنازعين للانسحاب من النزاع وللحفاظ على الوضع القائم في نفس الوقت، وهي “عملية لصناعة القرار يظهر من خلالها الفاعلون التزامهم بسياستهم السابقة، رغم فشلها اعتقادا منهم بأنهم “سيقطفون ثمارها لاحقا “ويقوم هذا الاعتقاد على كون الرجوع عن العنف يسبب لهم فقدان ماء الوجه أو تشويه سمعتهم.

 كما يفترض منظرو المصيدة أن صانعي القرار في النزاعات المستعصية يمرون عبر أربعة مراحل:

– في المرحلة الأولى يركزون على تحقيق إنجازات محددة.

في المرحلة الثانية يتم استنزاف الموارد عبر تقديم التزامات معينة للمكونات الداخلية ( Domestic Constituents    )

 -أما في المرحلة الثالثة فيعملون على تعظيم صور الخسائر التي لحقت بالخصم، والتقليل من شأن خسائرهم.

 -وفي المرحلة الرابعة يتم البحث عن مخرج بسبب استنفاذ الموارد.

وبناء على هذا السُّلَّم، فإن المنعطف الحاسم لنضج النزاع يكمن في المرحلة الانتقالية بين المرحلتين الثالثة والرابعة أين يكف صانعوا القرار عن اعتبار التضحيات بمثابة ثمن للنصر وبدلا من ذلك يقتنعون بضرورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

———————————————

دكتوراه التخصص: علاقات دولية (تطور مفهوم بناء السالم: دراسة في النظرية و المقاربات)

  • خولة محي الدين: دور الأمم المتحدة في بناء السالم ،مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية – المجلد – 27 العدد الثالث 2011ص131. 1
  • Stefan Wolff ,Conflict Resolution: Theories and Practice Edited by Stefan Wolff and Christalla Yakinthou London and New York: Routledge, 2011.p30.

Ibid,p.40  – 3.

تغير مسار النزاعات عالميا واثرها على المجتمعات

الحلقة الثانية

فهيل جبار جلبي * 

ثانيا :- الاثار السياسية 

إن النزاعات لها آثارها السياسية على الدول المصابة بها، حيث تعد مشكلة انهيار الدولة من أولى النتائج والآثار المترتبة على النزاعات الداخلية والحروب الأهلية، ويقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسسات الدولة وانهيار أجهزتها بما لا يسمح لها بأداء وظائفها المختلفة، ويتخذ هذا الانهيار كنتيجة للنزاعات نمطين أساسين: النمط الأول: هو الانهيار الشامل للدولة ويقصد به انهيار السلطة المركزية للدولة، ويحدث عندما تؤدي الإطاحة بالنظام إلى حدوث حالة من الفوضى الشاملة بما لا يسمح لأي من الجماعات المتنازعة بالسيطرة على الحكم بصورة كاملة، أما النمط الثاني: فهو الانهيار الجزئي ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها البيروقراطي الذي ينجم عنه عجز الدولة عن فرض سيطرتها على جميع أقاليم الدولة، وقد تؤدي النزاعات إلى مطالبة بعض الجماعات بالانفصال عن الدولة الأم ومحاولة إنشاء كيان سياسي آخر مستقل، كما حدث في الصراع الليبيري ومسلسل العنف فيها حتى أن البعض قالوا في وصف هذه الحرب بان الناس فيها تحارب من اجل الحرب، لان الفصائل المتصارعة لا تحارب تحت مظلة أيديولوجية ولا في ظل برنامج سياسي معين، ولكن الكل يحارب الكل من اجل مصالحه، حتى أن (تشارلز تيلور) زعيم إحدى الفصائل المتناحرة في ليبيريا اتخذ إحدى المدن عاصمة له وصك عملة خاصة به، وعمل على إعطاء امتيازات من جانبه للشركات الأجنبية مقابل دعم مالي، كما أن هذه الصراعات قد تستمر في بعض الحالات بشكل يصعب معه التنبؤ بإمكانية انتهائها، كما حدث في الصومال وانهيار الحكومة المركزية وذلك لان الحكم في هذه الدول يقوم على أساس الانقلابات والانقلابات المضادة، ومن الملاحظ أن هذه الانقلابات يقوم بها قادة من القوات العسكرية، وقد ترتب على ذلك خلق حالة من القلق والصراع بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات المدنية الأخرى في الدولة، كما حدث في غواتيمالا عندما تعاقب فيها خلال ثلاثين عاما ثمانية من العسكريين. ويترتب على الانقلابات العسكرية حقائق سياسية وقانونية متناقضة حيث أن الأشخاص الذين كانوا في صراع مع السلطة الحاكمة أصبحوا مسؤولين في السلطة، وفي ظل هذه الأجواء السياسية المضطربة وكذا العمليات المسلحة بين الأطراف المتنازعة داخل الدولة قد يؤدي ذلك إلى انهيار أجهزة الدولة الأمنية جزئيا أو كليا، بحيث يصبح المواطن هو المعني بحماية نفسه نظرا لفقدان الدولة لأهم اختصاصاتها تجاه مواطنيها وهو تحقيق الأمن لهم، لذا تظهر عمليات التصفية الجسدية والتخريب للمنشآت الاقتصادية وعمليات السرقة والنهب كما حدث في غواتيمالا سنة 1980 حيث توالت أعمال العنف والقتل ضد السياسيين والصحفيين والدبلوماسيين. 

ثالثا :- الآثار الاقتصادية والاجتماعية :

إن النزاعات الداخلية لها آثارها الخطيرة من الناحية الاقتصادية حيث تؤدي إلى إعاقة حركة التنمية بسبب هروب الاستثمارات الداخلية ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الدولة محل النزاع نظرا لإمكانية تدمير المنشآت الاقتصادية وتدمير البنية الأساسية اللازمة لتطوير العمليات الاقتصادية داخل الدولة، بالإضافة إلى خلق أعباء جديدة تتمثل في عمليات الإغاثة اللازمة لضحايا هذه النزاعات، كما حدث في الدومينيكان عام1961. وتدمر المنشات الاقتصادية وتستنزف موارد الدولة في صورة إنفاق عسكري بدلا من تخصيصه لبناء المؤسسات التعليمية المنهارة، حيث بلغ متوسط الإنفاق العسكري في دول أفريقيا عام 1994 حوالي (3%) من الناتج القومي الإجمالي، إلا أن الدول التي تورطت في نزاعات مسلحة داخلية كانت نسبة الإنفاق العسكري فيها (14,2) في انغولا و(14%) في تشاد و(93%) في إثيوبيا، ومن الملاحظ أن هذه الدول جميعا دول فقيرة وتعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية جمة، ومن شان زيادة الإنفاق العسكري زيادة الديون وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، حيث بلغت ديون الجزائر على سبيل المثال (25) مليار دولار مع تزايد النزاع المسلح فيها بين الحكومة والجبهة الإسلامية المناوئة لها حيث مثلت هذه الديون (80%) من عائدات الصادرات الجزائرية. كذلك فان من بين الآثار الاجتماعية للنزاعات ما يصاب الأسرة من عمليات التهجير وتدمير للبنى التحتية وما تتركه من آثار على الظروف المعيشية وخاصة آثارها على دخل الأسرة والبطالة. وما تتركه هذه النزاعات على الظروف الصحية والتعليمية للأسرة وما يطرأ على الأسرة من تغيير في الأدوار وخاصة دور المرأة اذ تصبح هي المعيلة نتيجة مقتل الاب في الحرب، وكذلك ما تعانيه الأسرة من آثار وخاصة تراجع مستوى الدخل وتقطع سبل المعيشة وارتفاع معدلات البطالة وتراجع المستويات الصحية والتعليمية للأسرة وآثارها على المجتمع بشكل عام من خلال مؤشرات التنمية البشرية وغيرها من المقاييس. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في جنوب السودان من حالات الاختفاء ألقسري أو غير الطوعي للسكان، وكذلك استخدام الأطفال جنودا ومقاتلين إضافة إلى التشريد ألقسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب وإساءة المعاملة للمدنيين. كذلك ما أدى إليه النزاع في دارفور من تدمير كامل للبنية الاجتماعية هناك، واسهم في خلق العداء والكراهية بين القبائل بصورة غير مسبوقة في تاريخ دارفور، وافرز نزوحا إلى المدن ولجوءا إلى دول الجوار ساهمت في خلخلة النسيج والقيم الاجتماعية، كذلك أدت الحرب إلى خلق مواطنين غير منتجين يعتمدون على الاغاثات، وقد أدت النزاعات إلى حرق القرى وهجر مناطق الإنتاج هذه من قبل سكانها مما أوقف عجلة الإنتاج في دارفور تماما وخاصة الإنتاج الزراعي، ومن ناحية أخرى تم تدمير الثروة الحيوانية ونهب آلاف الرؤوس منها وتهريبها إلى دول الجوار والخرطوم. ونرى ان آثار النزاعات تمتد إلى الجانب النفسي كذلك وما تتركه من طبع وسلوك غير سليم لأبناء المجتمع في تعاملهم مع البعض ومع الآخرين، وحتى بعد انتهاء النزاع فان الكثير من الأحقاد تبقى وان الكثير منهم غير مستعد لكي يعمل من اجل خدمة وبناء المجتمع من جديد. اضافة الى الآثار الاقليمية للنزاعات حيث ان حركة التجارة الدولية والاستثمارات بين دولة النزاع والدول المجاورة لها تتاثر بالنزاع، وكذلك حركة اللاجئين عبر الحدود تعمل على تحميل دول الجوار باعباء اقتصادية اضافية لتوفير الحاجات الضرورية لهؤلاء اللاجئين، وامكانية تسرب بعض الفئات المعادية للدولة المستقبلة للاجئين مما يؤثر على حفظ النظام وحدوث اعمال فوضى في الدولة المجاورة.

———————————————-

*مدرس مساعد في سكول القانون/ جامعة دهوك

(نقلاً من موقع: معا لبناء السلام)

احترام التعددية القومية والدينية ودوره في بناء السلام في سوريا

مركز “عدل” لحقوق الإنسان

بعد كل هذه السنوات الطويلة من الأزمة السورية، وما أحدثتها من قتل وخراب ودمار وتهجير وتشظي في المجتمع السوري، لا بد للسوريين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والثقافية..، من العمل المتواصل على بناء سلام مستدام، وذلك عبر إجراءات تمنع تكرار العنف وحل جميع المشاكل العالقة وتكريس حالة/واقع التعددية القومية والدينية فيه واحترامها.

ونعتقد أن ذلك سيؤدي إلى تخفيف حدة التعصب القومي والتطرف الديني، واللجوء إلى استعمال وسائل عنفية للتعبير عن هذه الانتماءات في المجتمع، إضافة إلى ما قد يؤدي ذلك إلى المساهمة في النمو الاقتصادي، حيث تؤكد العديد من الدراسات الاقتصادية على أن تزايد مستوى العنف في العالم وزيادة الاضطرابات الاجتماعية فيه، يعود بشكل كبير وأساسي إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وحرمان فئات واسعة من المواطنين من حقوقهم والتضييق على حرياتهم، فقد بات الانتماء القومي والديني من المصادر الرئيسية للنزاعات في العديد من المناطق في العالم ومنها سوريا، وكذلك ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

كما لا يخفى أن احترام حقوق القوميات والحريات الدينية والسياسية واحترام الخصوصيات الثقافية..، تسهم بشكل فعال في تحقيق العدالة الانتقالية التي تحتاج إليها سوريا بعد سنوات الأزمة الطويلة.

ومن هنا فأن على السوريين أخذ زمام المبادرة من الآن والعمل على تحويل الصراع القائم إلى سلام مستدام، من خلال التركيز على أولوية تحقيق التنمية وخلق ثقافة تبيح مشاركة المجتمع المدني، للوصول إلى حلول سلمية وترميم العلاقات الاجتماعية لمنع عودة الصراع والعنف من جديد.

أطفال الإيزيديات المغتصبات

أحمد الحناكي

يفيد خبر نشرته جريدة “الحياة” العراقية بأن الإيزيديين في العراق “اتخذوا قراراً تاريخياً يتعلق باعترافهم بالأطفال الذين ولدوا نتيجة عمليات الاغتصاب التي تعرضت الإيزيديات من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي”.

ونشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، مقالاً لمراسلتها في منطقة الشرق الأوسط “جوزي إنسور” بعنوان: “الأمم المتحدة تثني على الإيزيديين لاعترافهم بأطفال الاغتصاب”، تقول فيها: “إن الزعماء الإيزيديين أعلنوا أنهم سيعترفون بالأطفال الذين ولدوا لإيزيديات اغتصبن من قبل إرهابيي داعش، ما يعد قراراً تاريخياً”. وذكّرت المراسلة بأن “داعش” خطف آلاف الإيزيديات من منازلهن في سنجار شمال العراق في عام 2014، وباعهنَّ سبايا إلى إرهابيين، مشيرة إلى أنه تم إنقاذ آلاف من هؤلاء لاحقاً، ولكن قضية الأطفال الذين أنجبنهن بعد اغتصابهن بقيت شائكة لفترة طويلة. فبينما رحب عدد قليل من أسر الفتيات بالأبناء الذين ولدوا لآباء من “داعش”، وجب على معظم الأمهات اتخاذ الخيار الصعب بين العودة إلى أسرهنّ، أو الاحتفاظ بأطفالهنّ (غير الشرعيين)، ونتيجة لذلك، تخلت كثيرات منهنّ عن أطفالهن الذين بقوا في مخيمات اللجوء في سورية أو في ملاجئ في العراق.

ونقلت الصحيفة عن “المجلس الإيزيدي الروحي الأعلى” ما يلي: “نقبل أن ما حدث لهن (الإيزيديات) كان خارجاً عن سيطرتهن، كان الإيزيديون على مرّ التاريخ ضحايا، ونحن نقبل الناجين بفخر وإنسانية وشفافية”.

تشهد الحروب ما لا يتوقعه أحد من ضياع وتشويه وحروق وتشتت وأمراض نفسية هائلة وانهيارات، فضلاً عن القتل، ناهيك عن الاغتصاب.

وشهدت الحرب الأميركية على فيتنام الكثير من هذه الأعمال، كما شهدت ما هو أكثر مرارة، تجلّى في بروز عصابات كثيرة من الجانبين (الأميركي والفيتنامي) عملت في تجارة الرقيق. طبعاً، كان هناك حالات استثنائية، وهي أن تنشأ علاقات حب بين جنود أميركيين وفتيات فيتناميات وأن تتطور إلى زواج. بعض هؤلاء الجنود بقوا في فيتنام بعد الحرب مع زوجاتهم، وهناك من غادروا وزوجاتهم إلى أميركا، وهناك من ترك زوجته وهي حامل من دون أن يكترث لها.

نسخر كثيراً من ممارسات مرحلة الجاهلية (ما قبل الإسلام) وما شهدته من سبي للنساء. لكن كان لدى القبائل آنذاك، ما يسمى “قوانين الأعراف والشرف والعادات”، التي جعلت أبناءها يعفّون أحيانا عن الولوج في كثير من هذه “المستنقعات”، مع العلم أنه كانت لهم دوافعهم التي لا يمكن مناقشتها في عصر ومكان يخلوان من مفاهيم الحضارة.

عندما نقارن بين الجيوش الغازية والقبائل المتناحرة في الجاهلية، يحتار المرء في تحديد أيّها يعيش عصر الجاهلية؟

ندركُ ما يحدث أثناء الاحتلالات، وعادة ما يكون الجندي في جيش يغزو بلداً آخر، منهكاً من الحرب والخوف ونتيجة عدم قناعته بما يقوم به، فيصبح مشوهاً مريضاً، ويندفع لارتكاب جرائم أخلاقية ومنها الاغتصاب، خاصة أنه يشعر بأن لا عقوبة ستطاوله.

ما ارتكبه الـ “دواعش” على مدار السنوات الأخيرة، يندى له الجبين، إذ كسروا جميع المحرمات وتجاهلوا كل القيم الإنسانية والديانات السماوية، بما قاموا به من اغتصاب وزيجات بالإكراه ومن نساء متزوجات، وكل ذلك من خلال بوابة الشرعية الدينية التي لا أحد من العلماء أو الأئمة يتفق معهم في تبريرها إطلاقاً.

رحبت الأمم المتحدة بالقرار الصادر عن الإيزيديين، والذي يسهم إلى حدٍ كبير في التخفيف من معاناة المسكينات ضحايا الوحوش البشرية، فما ذنبهن إذا اغتصبن؟ وهل يعقل بدلاً من علاجهن جسدياً ونفسيا ً من أثر هذه الجرائم المرتكبة بحقهن، أن نزيد الطين بلّة ونعقابهن؟ علماً أن الواحدة منهن لا تستطيع العودة إلى أهلها خوفا من قتلها أو قتل طفلها أحياناً أو عدم الاعتراف به.

مشكلة الكثيرين من أسر المغتصبات – الرجال منهم على وجه الخصوص – أنهم يعالجون الجريمة بجريمة أشد، أو أنهم يضطرون بناتهم إلى الهروب، وهم بذلك يفقدونهن إلى الأبد، فضلا عن أن وضعهن سيكون قابلاً للانحراف عندما لا يجدن من يُؤيهن.

جريدة الحياة 27 نيسان/أبريل 2019