مفهوم
العنف ضد المرأة.. تطور المفهوم في المواثيق الدولية
لجنة سيداو
في عام 1992 أصدرت لجنة (سيداو)
في دورتها الحادية عشرة توصية بعنوان: “العنف ضد المرأة” نصت في
الفقرة السادسة منها على أن: “العنف ضد المرأة شكل من أشكال التمييز
القائم على أساس الجنس”. وفي عام 1993 عرض على لجنة “مركز المرأة”
في دورتها السابعة والثلاثين مشروع “إعلان العنف ضد المرأة”،
وقررت اللجنة استدعاء فريق لمواصلة صياغة الإعلان، ثم حث المجلس الاقتصادي
والاجتماعي الجمعية العامة على اعتماد مشروع الإعلان في العام نفسه، وقد كان؛ ففي
20 ديسمبر 1993، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي للقضاء على
العنف ضد المرأة، ونص الإعلان على: “إن العنف ضد المرأة مظهر من مظاهر
العلاقات والقوى غير المتكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ، التي أدت إلى هيمنة
الرجل على المرأة وممارسته التمييز ضدها والحيلولة دون النهوض بالمرأة نهوضاً كاملاً”.
عام 1993، غيّرت الأمم
المتحدة سياستها التي كانت تقتصر على
التعامل مع الحكومات، واستغلت المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا
لتتعامل مع شبكة عالمية من النشطاء المناهضين للعنف عُرفت باسم “الحملة
العالمية من أجل الحقوق الإنسانية للمرأة”؛ للتأكيد على عالمية
حقوق المرأة باعتبارها حقوق إنسان، والدعوة إلى القضاء على العنف ضد المرأة.
لجنة حقوق الإنسان
بعد أن أصبح مفهوم العنف ضد
المرأة من مسائل حقوق الإنسان، قررت لجنة حقوق الإنسان عام 1994، مقرراً خاصاً
بشأن العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، ثم رُبط القضاء على العنف بالالتزام بتطبيق
سيداو! وأدرج في جل القضايا التي تعنى بها الأمم المتحدة، وجاء
في التقرير الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة سنة
1994: “ينبغي لجميع البلدان أن تبذل مزيداً من الجهود لإصدار وتنفيذ
وإنفاذ القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي تكون طرفاً فيها، مثل: اتفاقية
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تحمي المرأة من ضروب التمييز
الاقتصادي والمضايقات الجنسية، والتنفيذ الكامل للإعلان المتعلق بالقضاء على العنف
ضد المرأة”.
مؤتمر بكين
في عام 1995، انعقد “المؤتمر
العالمي الرابع الخاص بالمرأة” في بكين، وتضمن منهاج العمل الصادر عنه
دعوة للدول “بإدانة العنف ضد المرأة، والامتناع عن التذرع بأي عرف، أو
تقليد، أو اعتبار ديني؛ تجنباً للوفاء بالتزامها للقضاء عليه”.
وفي عام 1997، اعتمدت الجمعية
العامة الاستراتيجيات النموذجية والتدابير العملية للقضاء على العنف في مجال
الجريمة والعدالة الاجتماعية، وبدأت بإصدار أول قرار من سلسلة القرارات التي
تتناول أشكال العنف ومظاهره، فأصدرت قراراً “بشأن الممارسات التقليدية والعرفية
التي تؤثر على صحة النساء”.
وفي عام 1998 صدر نظام
روما الأساسي للمحكمة الدولية، وعدَّ العنف
القائم على الجنس جريمة بمقتضى القانون الجنائي الدولي.
اليوم الدولي للقضاء
على العنف ضد المرأة
في عام 1999، أعلنت الأمم
المتحدة أن يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر، هو
اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة.
وفي عام 2000، أكدت الوثيقة
الصادرة عن الدورة الاستثنائية لمنهاج عمل بكين التي كانت بعنوان: “المرأة
عام 2000: المساواة بين الجنسين، والتنمية، والسلام في القرن الحادي والعشرين”؛
على الأهداف الإستراتيجية المتعلقة بالعنف ضد المرأة، ودعت “إلى إضفاء
الجنائية على العنف ضد المرأة بحيث يقع مرتكبه تحت طائلة العقاب بالقانون”.
ودعت الوثيقة إلى اتخاذ التدابير لمعالجة العنف ضد المرأة.
وفي عام 2000، عقد مؤتمر: “قمة الأمم
المتحدة للألفية”،
ودمجت في هذا المؤتمر قضايا مساواة وتمكين المرأة في عديد من الأهداف الإنمائية،
لا سيما في الهدف الثالث الذي نص على “تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين
المرأة». وجاء في الفصل الخامس من الإعلان في موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية
والحكم الرشيد: «مكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة وتنفيذ اتفاقية القضاء على
أشكال التمييز ضد المرأة”.
المرأة والسلام
والأمن
في نفس العام أصدر مجلس الأمن
القرار رقم (1325) بشأن المرأة والسلام والأمن، ويعد هذا القرار معلماً بارزاً
للتصدي للعنف ضد المرأة. ومنذ ذاك العام ومجلس الأمن يولي مسألة العنف ضد المرأة
في النزاع المسلح أهميتها، وقد ذكر ذلك في الفقرة (10) من القرار.
وفي العام ذاته أصدرت الجمعية
العامة بداية القرارات المتعلقة بعنوان: “القضاء على الجرائم المرتكبة بحق
النساء والفتيات باسم الشرف”، ثم قرارات بعنوان: “الاتجار
بالنساء والفتيات”.
وفي عام 2001، أصدرت الجمعية
العامة مجموعة قرارات بعنوان: “القضاء على العنف ضد العاملات والمهاجرات”.
وفي عام 2003، اتخذت الجمعية
العامة قراراً بشأن “القضاء على العنف العائلي”، وأصدرت قراراً
آخر يأمر بإجراء دراسة على جميع أشكال العنف ضد المرأة.
وفي عام 2005، وعند استعراض إعلان
ومنهاج عمل بكين في الدورة التاسعة والأربعين، لوحظ أن هناك تقدماً كبيراً في
مكافحة العنف ضد المرأة، وأصبح من المسلم به أن العنف ضد المرأة يعد شكلاً من
أشكال التمييز الذي يستند إلى نوع الجنس، وأن الدول سنت قوانين لمكافحة العنف ضد
المرأة.. جاء في الفقرة (116) من منهاج عمل بكين: “وندين بشدة جميع
انتهاكات حقوق الإنسان للنساء والفتيات في حالات الصراع المسلح، وممارسة ضروب
الاستغلال، والعنف والاعتداء الجنسي ضدهن، ونلتزم بوضع وتنفيذ استراتيجيات للإبلاغ
عن العنف القائم على نوع الجنس ومنعه والمعاقبة عليه”.
وفي عام 2006، أصدر الأمين العام
دراسة بشأن جميع أشكال العنف ضد المرأة، وأصدرت الجمعية العامة بعدها سلسلة من
القرارات بعنوان: “تكثيف الجهود للقضاء على العنف ضد المرأة”.
وفي عام 2007، أصدرت الجمعية
العامة قراراً بشأن “القضاء على الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي”.
وفي 25 شباط/فبراير 2008، أطلق
الأمين العام حملته العالمية (اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة)، على أن تستمر إلى
عام 2015.
وفي عامي 2008 و2009 أصدر مجلس
الأمن القرارات: 1820 (2008)، 1888 (2009)، 1889 (2009)، والتي تدعو لوضع حد للعنف
الجنسي في النزاعات المسلحة.
وفي 23 آذار/مارس من عام 2009 عقد
اجتماع لفريق الخبراء الحكومي الدولي في بانكوك لاستعراض وتحديث الاستراتيجيات
النموذجية والتدابير العملية للقضاء على العنف ضد المرأة في مجال منع الجريمة
والعدالة الجنائية، وجاءت هذه التدابير في 22 مادة حاثة الدول على “استعراض
قوانينها الجنائية والمدنية وتقييمها وتحديثها؛ لضمان تجريم وحظر جميع أشكال العنف
ضد المرأة”.
إلغاء ومنع كافة
أشكال العنف ضد النساء والفتيات
في 15 آذار/مارس 2013 طرحت الأمم
المتحدة إعلان إلغاء ومنع كافة أشكال
العنف ضد النساء والفتيات، والذي أكد وجوب مكافحة كل أشكال التمييز بين الجنسين
باعتبارها شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة، دون التذرع بالأديان والعادات! وقد
وصفته الأمم
المتحدة بأنه إعلان تاريخي لوقف العنف ضد
النساء.
مما سبق يلاحظ أن مفهوم العنف
تطور مع تقدم السنين وأصبح قضية مستقلة ناتجة عن التمييز بين الجنسين، وتحويل
القضية لمطلب مجتمعي تتبناه منظمات المجتمع المدني وتسهم في الضغط على الحكومات
لترضخ وتوقع على ما يصدر من مواثيق دولية.
المصدر: صحيفة
“الأيام” الالكترونية