أعمال عنف لا معنى لها

متابعة: مركز عدل لحقوق الإنسان

“الوضع الإنساني المتدهور” الذي يؤثر على النساء والأطفال في شمال غرب سوريا هو الشاغل الرئيسي لمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، مارك لوكوك، الذي تحدث صباح الأربعاء في جلسة مجلس الأمن في المقر الدائم بنبويورك.

وفي جلسة مجلس الأمن الدولي حول “تنفيذ القرارات المتعلقة بالشأن الإنساني في سوريا”، أعرب لوكوك عن قلقه إزاء الوضع الإنساني السيء والمتدهور الذي يطال النساء والأطفال في شمال غرب سوريا بسبب القصف المكثف بالقنابل والمدفعية وغيره من أنواع القتال.

وقال إن “القتال في معرة النعمان وسراقب وغرب حلب، كان أشد من أي شيء رأيناه في العام الماضي”.

ما زال المدنيون يتعرضون للقصف المكثف، بحسب لوكوك الذي أفاد بأنه في 11 كانون الثاني/يناير، قُتل ما لا يقل عن 20 مدنياً في محافظة إدلب في غارات جوية. في 21 كانون الثاني/يناير، قُتل ثمانية مدنيين في كفر تال في غرب حلب، بعد غارة جوية سقطت بالقرب من منزلهم. وخلال الأسبوع الممتد من 15 إلى 23 كانون الثاني/ يناير، وثقت مفوضية حقوق الإنسان حوادث قُتل فيها ما لا يقل عن 81 مدنيا، معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة للغارات الجوية والغارات الأرضية. هذا المجموع يضاف إلى أكثر من 1500 وفاة بين صفوف المدنيين تحققت منها المفوضية منذ بدء التصعيد في أواخر نيسان/أبريل.

“نحن خائفون. ساعدونا من فضلكم. ضعوا حدا (لهذه المأساة)”

وقال لوكوك إن التقارير الأكثر إثارة للقلق وردت من جنوب إدلب، حيث تركزت مئات الغارات الجوية التي شنتها الحكومة السورية وحلفاؤها. فيما واصلت الجماعات المسلحة غير الحكومية قصف مدينة حلب، مما أسفر عن مقتل أو إصابة العشرات من المدنيين.

وقد حذرت المفوضة السامية باشيليت، من أن “النساء والرجال والأطفال الذين يقومون ببساطة بأنشطة يومية في المنزل وأماكن العمل والأسواق والمدارس يتعرضون للقتل والتشويه في أعمال عنف لا معنى لها”.

وفي هذا السياق، حث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية “جميع الأطراف على الوقف الفوري للأعمال القتالية في منطقة خفض التصعيد في إدلب وحولها”.

وقد تحدث لوكوك إلى السوريين في إدلب خلال زيارته إلى البلاد الأسبوع الماضي، قائلا إن الناس أخبروه بأنهم يشعرون بشكل متزايد “بالحصار” لأن القصف يتبعهم من مكان لآخر، وبأنهم مصابون بالصدمة ويشعرون بأن العالم أهملهم تماما. وهم لا يفهمون سبب عجز هذا المجلس عن إيقاف مذبحة سكان مدنيين محاصرين في منطقة الحرب.

وقال لوكوك: رسالتهم إليكم هي نفسها التي نقلتها عندما تحدثت أمامكم في 30 من تموز/يوليو الماضي: “نحن خائفون. ساعدونا من فضلكم. ضعوا حدا (لهذه المأساة)”.

70,000 مازالوا مشردين في شمال شرق سوريا

لا يزال الوضع الإنساني في الشمال الشرقي صعبا، حيث هناك حوالي 70،000 مشرد بعد العمليات العسكرية التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك يعيش 90،000 شخص في مخيمات النازحين، بما في ذلك أكثر من 66،000 شخص في مخيم الهول.

ويعد هؤلاء السكان الضعفاء من بين 1.8 مليون شخص في الشمال الشرقي، ممن يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.

وبينما تلقى 850،000 شخص في المتوسط عام 2019 مساعدة شهرية من داخل سوريا، فإن إغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق، دفع منظمة الصحة العالمية إلى التنبؤ بتخفيض الخدمات واللوازم الطبية.

وفقا لما ينص القرار 2504، سيتم إطلاع المجلس بحلول نهاية شباط/فبراير حول جدوى استخدام طرائق بديلة لذلك المعبر الحدودي لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها في كافة أنحاء سوريا.

الوضع الاقتصادي يزيد مشقة السكان

يشكل الوضع الاقتصادي في سوريا مشقة متزايدة على المدنيين في جميع أنحاء البلاد. ففي شهر كانون الثاني/يناير، استمرت الليرة السورية في الانخفاض في السوق غير الرسمي. في بعض المناطق، وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 1,100 ليرة سورية.

الدعم المستمر من المانحين أمر حيوي–مارك لوكوك

يجد السوريون الذين يخرجون لشراء الطعام عددا أقل من المواد الغذائية في أسواقهم، بما فيها الأساسيات مثل الأرز والزيت والسكر. وقد ارتفع سعر معظم المواد الغذائية بشكل كبير. على سبيل المثال، ارتفع سعر الخبز، أكثر من 50 في المائة في بعض المناطق في الأشهر الأخيرة.

وفي هذا الصدد، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية إن أي تدهور إضافي في الاقتصاد السوري سيعرض المزيد من الناس للخطر والحاجة إلى المساعدة في العام المقبل، مشددا على أن “الدعم المستمر من المانحين أمر حيوي”.

الأمم المتحدة: الأمن والسلم

أهمية إطلاق سراح المعتقلين

متابعة: مركز عدل لحقوق الإنسان

هذا وأعلنت خولة مطر، نائبة المبعوث الخاص إلى سوريا، في إحاطة عقدت عصر اليوم الأربعاء، أن الفريق العامل المعني بالإفراج عن المحتجزين والمختطفين، وتسليم الجثث، وتحديد هوية الأشخاص المفقودين الذي يضم إيران وروسيا وتركيا والأمم المتحدة، سيجتمع للمرة الأولى في جنيف في وقت لاحق في شباط/فبراير.

وفيما أقرّت بأن التقدم على صعيد هذا الملف ليس بالأمر السهل، أشارت إلى أهميته بالنسبة للعديد من السوريين الذين يريدون زيادة في وتيرة وحجم عملية إطلاق سراح المعتقلين. وذكرت أن المبعوث الخاص غير بيدرسون، الموجود حاليا في العاصمة السورية، أكد على أهمية هذه القضية في مشاوراته اليوم مع الحكومة السورية في دمشق.

نطاق العمليات العسكرية مفزع

غير أن كلمة نائبة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا لم تخل من الإشارة إلى الوضع الخطير في الميدان والذي يزداد سوءا على حد قولها، مشيرة إلى أن “النطاق المفزع للعمليات العسكرية في الشمال الغربي أدى إلى عواقب إنسانية مدمرة بالنسبة لثلاثة ملايين شخص في منطقة إدلب، بما فيها تشريد مئات آلاف النازحين؛ غارات الجوية، بما فيها على البنية التحتية المدنية؛ قصف متبادل؛ ووفيات بين صفوف المدنيين في منطقة الشمال الغربي وما حولها.

هناك حاجة لبناء الثقة التي يمكن أن تسهم في فتح الباب أمام عملية سياسية أوسع نطاقا–خولة مطر

وأكدت نائبة المبعوث الخاص على الحاجة إلى عملية “بناءالثقة خطوة بخطوة” لتهيئة بيئة آمنة ومحايدة، من شأنها أن تعزز الثقة بين اللاجئين من أجل عودتهم بشكل آمن وطوعي وكريم.

وذكرت خولة مطر أن المبعوث الخاص يعمل على تضييق الخلافات حاليا في دمشق، ويأمل في أن يصل إلى وضع يمكنه من لمّ شمل اللجنة الدستورية قريبا، من أجل أن تستمر جلساتها بإيقاع ثابت في الأشهر المقبلة، قائلة “هناك حاجة لبناء الثقة التي يمكن أن تسهم في فتح الباب أمام عملية سياسية أوسع نطاقا.”

وبينما يستكشف المبعوث الخاص، غير بيدرسون، بعناية “مداخل متواضعة” لتسهيل هذه العملية، أقرّت نائبته بأن هناك حاجة إلى “حوار حقيقي بين اللاعبين الدوليين الرئيسيين”.

واختتمت مطر كلمتها بالقول: “سيستمر المبعوث الخاص في الضغط من أجل وضع حد للعنف”، مشيرة إلى أنه يسعى أيضا إلى “إطلاق عملية سياسية شاملة من شأنها أن تؤدي إلى تسوية سياسية دائمة تلبي تطلعات الشعب السوري المشروعة، وتحترم وتعيد سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها واستقلالها “.

وكالات، الأمم المتحدة

حان الوقت كي يسلك الفلسطينيون نهجاً ذكياً

دنيس روس

نعلم أن خطة الرئيس دونالد ترمب للسلام التي طال انتظارها ظهرت. وصرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس مراراً بأنه سوف يرفضها حتى قبل أن يراها، ويدفع بأن إدارة ترمب منحازة وتتبنى سياسات معادية للفلسطينيين. نعم، توجد سياسات عاقبت الفلسطينيين بقطع جميع المساعدات المقدمة لهم. ونعم، من الصعب جداً رؤية أي إجراء اتخذته الإدارة حتى تاريخه يسعى إلى تناول الاحتياجات أو المخاوف الفلسطينية.
ومع ذلك، لماذا يرفض استباقاً شيئاً لم يره؟ كان الرفض والتحدي في أغلب الأحيان سمة الحركة الوطنية الفلسطينية. ويُذَكّرنا الواقع الفلسطيني الحالي بأن ذلك الرفض والتحدي له ثمن. لماذا لا نرى ما في الخطة على الأقل؟ أعترف بأن توقعاتي بشأن الخطة ليست كبيرة، ولكن ربما حان الوقت لكي يتخذ الفلسطينيون مسلكاً ذكياً. ربما يكون أول رد من الفلسطينيين أن يقولوا إنه نظراً لعدم اطلاعنا على الخطة ولأننا نطلع عليها لأول مرة، نرغب في دراستها. نريد أن نقرر ما إذا كانت تحمل بنوداً مقررة أو تحمل رؤية. وبالتالي نريد أن نجتمع مع الإدارة الأميركية ونوضح مكمن مشاكلنا، ونستمع إلى ما سيقوله ممثلو الإدارة بشأن مخاوفنا، ونرى ما يمكن تعديله، ونكتشف ما يمكن تنفيذه الآن وما يمكن إرجاؤه إلى مناقشات أخرى.
حتى إذا افترضنا وجود عناصر في الخطة لا يمكن أن يقبلها الفلسطينيون في نهاية الأمر، ألم يكن من الأفضل للفلسطينيين الدخول في مناقشات مع الإدارة قبل أن تصل إلى تلك النتيجة؟ في هذه المرحلة، ربما تفترض الإدارة أنه مهما قدمت في الخطة، فسوف يقول محمود عباس: لا. فاجئوا الإدارة، ومن الممكن أن تثمر رغبة الرئيس ترمب في أن يصبح صانع صفقات بعض التغيير في توجه إدارته.
قد يكون الطريق طويلاً، ولكن ما الذي سيخسره الفلسطينيون؟ ربما يقول البعض إن استعداد الفلسطينيين للتعامل مع الإدارة الأميركية سوف يؤدي بآخرين، مثل الأوروبيين، إلى اتخاذ رد أكثر سلبية على الخطة – ولن يوضحوا أنهم لن يؤيدوها فحسب. هذا صحيح، ولكن إذا تناقش الفلسطينيون ولم يجدوا استجابة من الإدارة، فعلى الأرجح سيعرب الأوروبيون عن معارضتهم.
ما أقترحه لا يعارض ما قال محمود عباس إنه لن يفعله فحسب، ولكنه يعارض أيضاً الرغبة في رفض أي خطة لا تلبي مجموعة الشروط الموضوعة التي لطالما طالب بها بشأن الحدود واللاجئين والقدس والأمن.
تكمن المشكلة في عدم وجود أي خطة سلام تمنح الفلسطينيين كل شيء يرغبون فيه. والقضية هي ما إذا كانت ستقدم لهم كل ما يحتاجون إليه فيما يتعلق باحتياجاتهم للاستقلال والكرامة والأمن والقدرة على البقاء.
يجب أن تكون تلك هي المعايير التي ترشد الفلسطينيين والقادة العرب. هل يستطيع القادة العرب المساعدة؟ أعتقد ذلك. فليبدأوا بالدعوة إلى الاحتفاظ بالحكم على الخطة حتى يتم عرضها رسمياً. وإذا كانت فيها عناصر تتعارض مع الاستقلال والكرامة والأمن والقدرة على البقاء، لماذا لا نقول إن لدينا مشكلات في عدد من المجالات، ولكننا مستعدون للخوض مع الإدارة لرؤية ما يمكن تعديله؟ إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعوّل على الرفض الفلسطيني لكي يتمكن من المضي قدماً في ضم مناطق مثل وادي الأردن الذي ربما ينضم لإسرائيل كأحد بنود الخطة، لماذا ننفذ له لعبته؟
ذكرت إدارة ترمب منذ البداية أن المقصود من الخطة ليس فرضها ولكن التفاوض عليها بين الطرفين.
بحكم الطبيعة، لا يوجد سلام لا ينتج عن اتفاق بين أطرافه. يستطيع القادة العرب القول إنهم يفضلون السلام، ويعلمون أنه لا يمكن أن يتحقق نتيجة لتصرف أحادي من كل طرف.
بمعنى آخر، يستطيع القادة العرب، في أثناء قولهم إن الفلسطينيين فحسب هم من يستطيعون تقرير مستقبلهم، أن يوصوهم بتوخي الحذر. ولكن يجب عليهم أن يوضحوا لمحمود عباس أنهم لن يكونوا جزءاً من مساعي حشد العالم ضد الخطة – ولا شك في أن هذا ما سيحاول عباس فعله. سوف يرجع إلى قواعد اللعبة التقليدية ويدعو إلى عقد قمة عربية للتنديد بخطة ترمب. وبالطبع لن يكون لهذا أي تأثير على ترمب ومن حوله، سوى التأكيد على رأيهم بأن شيئاً لم يتغير على الجانب الفلسطيني ولن يتغير. (وفي الحقيقة، يبدو أن هذا الرأي عزز فكرتهم بأن الوقت قد حان لكي يرى الفلسطينيون أن رفضهم المستمر لن يحقق لهم شيئاً، بل على العكس سيخسرون بسببه).
بينما أستطيع أن أتفهم الخوف الفلسطيني من أن الأفكار التي يعتبرونها تهديداً جوهرياً لآمالهم وطموحاتهم الوطنية قد تلقى رواجاً إذا لم يعارضوها بشدة، تكمن المشكلة في امتلاكهم تاريخاً برفض جميع مقترحات السلام – بما فيها تلك التي كانت ستصبح أفضل كثيراً لهم مما قد يكون في خطة ترمب. ألم يحن الوقت لكي يسلكوا نهجاً مختلفاً؟ الاشتراك لا يعني القبول. لماذا لا يخرقون القاعدة ويشاركون، وبدلاً من تكرار الشعارات المعتادة يستعدون لتقديم مقترح جدير بالثقة في مواجهة خطة ترمب؟ لم يحدث هذا في كامب ديفيد في صيف عام 2000، ولا يوجد رد على معايير كلينتون بعد ذلك بخمسة أشهر، وكذلك على مقترح أولمرت في 2008، وعلى المبادئ التي عرضها أوباما في مارس (آذار) 2014.
لا يصنع القادة العرب أي معروف للفلسطينيين عندما يسايرون النهج الفلسطيني القديم. لا يملك الفلسطينيون دولة اليوم، على الرغم من أن قبول معايير كلينتون أو مقترح أولمرت أو مبادئ أوباما كان سيحقق ذلك.
في تعريف قديم الأزل، الجنون هو أن تكرر الشيء ذاته مرة تلو أخرى وتتوقع نتيجة مختلفة. ربما يكون الوقت قد حان لكي يحطم الفلسطينيون هذا النمط.
* خاص بـ «الشرق الأوسط»

الشرق الأوسط

لماذا يخشى نظام الملالي الكشف عن محتويات الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية؟

نظام مير محمدي*
إن قيام قوات الدفاع الجوي في قوات حرس نظام الملالي بتحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية بصاروخين وتستر جميع مسؤولي نظام الملالي على هذه الجريمة البشعة، وجّه صدمة شديدة للرأي العام، خاصة وأن أقارب الضحايا ما زالوا يتساءلون عن سبب إطلاق الصواريخ على الطائرة المذكورة، ولماذا أُصيبت بصاروخين، ولماذا سمحوا  للطيران المدني بالقيام برحلاته في تلك الليلة الحرجة والظروف الحربية الاستثنائية. بالإضافة إلى العديد  من الأسئلة الأخرى التي لا تزال قائمة.

إن تحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176 راكبًا وأفراد طاقمها يحمل في طياته الكثير من التفاصيل المبهمة. وبعد فشل النظام الإيراني في خداع الرأي العام مفترضًا من باب الجدل أن تحطيم الطائرة يرجع إلى ”أسباب تقنية“؛ لجأ إلى افتراض جدلي وهمي طائش يقول فيه إن  إطلاق الصواريخ على الطائرة يرجع إلى ”خطأ بشري“. إلا أن هذا الافتراض أيضًا لم يلق قبولًا، خاصة وأن الخبراء والمتخصصين في مجال الدفاع الجوي وإطلاق الصواريخ أعلنوا استشهادًا بمعلومات القمر الصناعي الدقيقة أن وحدة الدفاع الجوي في قوات حرس نظام الملالي أطلقت الصواريخ على الطائرة الأوكرانية عن عمد مع سبق الإصرار والترصد. ومن الأدلة القوية على تعمد إطلاق الصواريخ على الطائرة المذكورة هو أن الفترة الزمنية بين إطلاق الصاروخ الأول والثاني 30 ثانية مما يعني أن مشغل نظام إطلاق الصواريخ كان لديه الفرصة لتجنب إطلاق الصاروخ الثاني.      والدليل الآخر هو أن قائد القوة الجو فضائية في قوات حرس نظام الملالي قال في مؤتمر صحفي في اليوم التالي لهذا الحادث المؤلم المروع، للصحفيين في تفسيراته المخيفة إن  نظام إطلاق الصواريخ هذا مرتبط بنظام إطلاق الصواريخ العام. وبناءً عليه، حتى لو افترضنا أن مشغل نظام إطلاق الصواريخ هذا ارتكب خطأً ما، فإن المشغلين الآخرين كانوا جميعًا في أقصى درجات الاستعداد للدفاع ولديهم الفرصة لمنع إطلاق الصاروخ الثاني. وفي تبريره لإطلاق الصواريخ على الطائرة المدنية الأوكرانية قال إن هذه الطائرة غيرت اتجاهها نحو مركز عسكري حساس. في حين أن تغيير اتجاه الطائرة جاء بعد إصابتها بالصاروخ الثاني عندما كانت مشتعلة في الفضاء وتدور هاوية نحو الأرض، لأن جميع طاقم الطائرة فارقوا الحياة في كابينة الطيار جراء إصابتها بالصاروخ الأول وفُقدت السيطرة على قيادة الطائرة.وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الخبراء العسكريون أن نظام إطلاق الصواريخ”تور – إم 1″، وهو نظام صاروخي روسي، مزود بكاميرات قوية للغاية، مما يسمح لمشغل نظام إطلاق الصواريخ بتحديد هدفه بدقة ومن ثم إطلاق النار عليه. وبناءً عليه، فإن الادعاء المثير للسخرية بقصف طائرة مدنية ضخمة من باب الخطأ البشري بصاروخ كروز ذو الأبعاد الأصغر للغاية، وتأييد بعض عناصر نظام الملالي لذلك الإدعاء العبثي، كذب محض بما تحمل الكلمة من معنى.   وعلى الرغم من كل هذه التسريبات، لم تصدر الحكومة ولا السلطات العسكرية ولا القضائية في النظام الإيراني أي تقرير دقيق حول السبب الرئيسي في هذه الكارثة، ولم تتم إقالة أي مسؤول من منصبه حتى الآن.وبموجب دستور الولي الفقيه، فإن خامنئي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن كافة الأحداث المتعلقة بهذه القوات، قد اتخذ موقفًا مثيرًا للاشمئزاز للغاية تجاه هذه الحادثة المأساوية.  حيث أنه عندما كان يتحدث في مصلى طهران في صلاة الجمعة في 17 يناير  قال بوقاحة، في إشارة إلى تحطيم الطائرة المشار إليها على يد قواته : إن تحطم الطائرة المدنية الأوكرانية كان حادثة مروعة، لكن وسائل الإعلام، وخاصة قنوات التلفزة الأمريكية والبريطانية، مهدوا لإساءة تناول هذه الحادثة للتغطية على ما وصفه بـ ”يوم الله“ لشهيدينا (يقصد هلاك قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس العراقي). ووصف خامنئي المحتجين على هذه الجريمة التي ارتكبتها حكومة الملالي وتحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية بأنهم مخدوعون.وبالنظر بعين الاعتبار إلى تصريحات خامنئي، تحاول العناصر الحكومية الأخرى إبقاء الصندوق الأسود لهذه الجريمة البشعة خارج نطاق الفحص الفني من أجل تجنب تسريب المزيد من الأكاذيب والمزاعم العبثية التي فبركوها،  على الرغم من إقرارهم بمسؤولية نظام الملالي عن تحطيم الطائرة الأوكرانية.ووصف رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو إعادة فحص معلومات الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية المحطمة  بأنه المفتاح الرئيسي للتحقيقات في سبب تحطمها. وتطالب كندا والسويد وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وأوكرانيا المشاركة في التحقيقات. وبعد اعتراف المسؤولين بتحطم الطائرة، قال حسن رضائي فر، رئيس مكتب الكوارث بالخطوط الجوية الإيرانية: ” لقد فعلنا كل ما في وسعنا لتقييم الصندوق الأسود، ولكن نظرًا لأن الطائرة المنكوبة بالكارثة من طائرات بوينج الحديثة والمتطورة، فإن إيران ليست لديها تكنولوجيا تحميل معلومات الصندوق الأسود لهذه الطائرة، وقد تتأثر المعلومات عند البدء في إعادة تجميع هذا الصندوق”. وقال أيضًا إن المسؤولين في إيران طلبوا من كندا وفرنسا وأمريكا تزويد إيران بالمعدات والبرامج الإلكترونية لتحميل المعلومات. ويأتي طلب إيران هذا في وقت يعلم فيه مسؤولو نظام الملالي جيدًا أن الحصول على هذه المعدات ليس متاحًا في ضوء العقوبات المفروضة على هذا النظام.  لذا فإن الحل الوحيد هو أن يقوم النظام الإيراني بتسليم الصندوق الأسود للطائرة المحطمة للدول التي لديها المعدات اللازمة لإعادة فحص معلومات الصندوق الأسود امتثالًا لما تنص عليه معايير وأنظمة المنظمة العالمية للملاحة الجوية.إن عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة المحطمة وعدم تعاون النظام الإيراني في هذه القضية يعزز بشكل غير مسبوق فرضية استمرار محاولة نظام الملالي التستر على السبب الأساسي لتحطيم الطائرة الأوكرانية وأنه لا يريد تحديد السبب الحقيقي لقصف الطائرة المعنية بالصواريخ وتحطيمها.    واستنادًا إلى القانون الدولي، فإن عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة من شأنه أن يعرض النظام الإيراني المنتهك للقانون إلى عواقب قانونية. هذا وكان رئيس الوزراء الكندي قد تحدث في وقت سابق ليس ببعيد عن إحالة ملف هذه القضية إلى مجلس الأمن للحيلولة دون تكرار الحادثة. هذا ويعتقد بعض المحللين فتح هذا الملف في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ومحاكمة المسؤولين العسكريين المتورطين في هذه القضية في المحكمة المذكورة. وفي هذا الصدد، أصدرت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي بيانًا بتاريخ 11 يناير طالبت فيه بتدخل المجتمع الدولي لكشف الستار عن تفاصيل هذه الجريمة البشعة ومحاكمة المسؤولين المتورطين فيها ومعاقبتهم، مؤكدة على أن الفاشية الدينية ما زالت تلجأ إلى التمويه وتلفيق الأكاذيب بشأن كارثة الطائرة الأوكرانية.

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني 

عن موقع ولاتي مه

ماكرون يتهم إردوغان بإرسال مرتزقة إلى ليبيا

متابعة: مركز عدل لحقووق الإنسان

اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره التركي رجب طيب إردوغان، بخرق تعهداته وانتهاك نتائج «مؤتمر برلين» حول ليبيا، من خلال إرسال مقاتلين وسفن حربية لدعم «حكومة الوفاق» التي يرأسها فائز السراج، وهو ما يزيد من تأجيج الصراع بين الأطراف الليبية المتحاربة، ويطيل أمد الصراع، حسب ماكرون.

جاء ذلك خلال لقاء جمع الرئيس الفرنسي برئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، في قصر الإليزيه، أمس، وطغى عليه على الخصوص الملف الليبي بتشعباته، ومنها البعد التركي.

واتهم ماكرون في مؤتمر صحافي رفقة ميتسوتاكيس، الرئيس التركي مباشرةً بعدم احترام الالتزامات، التي عبّر عنها في «مؤتمر برلين» الأخير. وقال إن السفن التركية «تنقل مرتزقة سوريين إلى الأراضي الليبية… وهو أمر يناقض بشكل واضح ما التزم إردوغان القيام به في مؤتمر برلين، وبالتالي فإنه لم يحترم كلامه».

وأضاف الرئيس الفرنسي أن ما تقوم به تركيا «يهدد أمن جميع الأوروبيين وحتى سكان بلدان الساحل» الأفريقي. وذهب إلى إدانة الاتفاق الموقّع بين «حكومة الوفاق» وتركيا بـ«أشد العبارات».
الشرق الأوسط

آليات الاستبعاد الاجتماعي في سورية

أجمعت تعريفات السوسيولوجيا على أن الاستبعاد الاجتماعي هو عملية سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وثقافية تعليمية متكاملة، ذات أبعاد متعددة، تجتمع في إطارها كل أشكال الحرمان من المشاركة في العمل السياسي وصناعة القرار، من حقّ العمل والتوظيف والوصول إلى المصادر الاقتصادية والتعليمية الثقافية المتوفرة والمتاحة للآخرين، حتى الحرمان من الحق بالمشاركة في المؤسسات المجتمعية كافة.

استنادًا إلى هذا التعريف للاستبعاد الاجتماعي؛ يمكن القول إن ممارسة الاستبعاد الاجتماعي في سورية بدأت بانقلاب البعث 8 آذار 1963 وهيمنته على السلطة إلى يومنا هذا، من خلال استخدام كل أنواع الاستبعاد الاجتماعي للاستمرار في السلطة.

أولى آليات هذا الاستبعاد تمثلت بحرمان السوريين كافة من العمل والنشاط السياسي والحزبي التعددي، ومن حقهم في التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم الفكرية، إلا النشاط الفكري السياسي الذي يدور في فلك النظام واستبداده، من خلال ما يسمى “الجبهة الوطنية التقديمة” والمنظمات النقابية والشعبية الرديفة لحزب البعث، حيث تصرف النظام الأسدي الحاكم، وكأن سورية أصبحت مزرعة خاصة به لدرجة تسمية سورية بالإعلام السوري الرسمي “سوريا الأسد”، والدفع بالسوريين كافة إلى الانسحاب التدريجي من مواطنيتهم، بدءًا من التعبير عن اللامبالاة السياسية، إلى عدم المشاركة والتواصل مع الآخرين، والانكفاء على ذاتهم الصامتة، حتى إن معظم السوريين امتنع عن التواصل مع أقرب الناس إليه، في موضوعات السياسة، من شدة خوفهم من أجهزة الأمن المتغلغلة في كل زاوية، وما عبارة “الحيطان لها آذان” إلا تعبير عن الهواجس الأمنية التي يعيشها السوريون في كل لحظة من حياتهم اليومية، وقد اضطرهم ذلك إلى التماهي السياسي والثقافي مع النظام الاستبدادي الحاكم في سورية، من خلال الانتساب إلى “حزب البعث” وملحقاته من منظمات سياسية ونقابية مهنية، دون الحق في إبداء الرأي في ما يحدث في الوطن السوري، إلا الترديد الببغاوي للنشرات الإعلامية السياسية الحزبية والنقابية التي تمجد الأسد واستبداده، طمعًا في الحصول على بعض فتات النظام المادية المعنوية ، أو من أجل حماية أنفسهم وعائلاتهم من عنف السلطات الأمنية، كما كان يعبّر عن ذلك معظم السوريين.

الآلية الثانية في ممارسة الاستبعاد الاجتماعي تتمثل في عملية التدجين الأيديولوجي والثقافي، بأيديولوجية وثقافة البعث في المناهج التعليمية كافة التي تصبّ في خدمة النظام الاستبدادي، حيث عاش السوريون حالة انقطاع شبه تام عن ثقافات العالم الخارجي وخاصة الديمقراطية.

الآلية الثالثة تمثلت في استخدام كل وسائل القهر والاستبداد، بدءًا من الاعتقال سنوات وصولًا إلى الفقدان والإعدام، ضد أي معارضة تظهر بين السوريين، بهدف استبعاد أي صوت معارض أو مختلف عنه، وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة من خلال الحرمان من الحقوق المدنية، ومنها حق العمل والتوظيف في مؤسسات الدولة، أو احتوائهم ضمن الإطار السياسي الذي يؤمن به. وما إخراج السوريين بالقوة والإكراه من قبل بعض المسؤولين في مدن وبلدات وقرى سكناهم، في المسيرات المؤيدة لرأس النظام السوري المعروفة (في المناسبات السياسية الخاصة بالنظام) والتركيز عليها في وسائل الإعلام الوحيدة في سورية، إلا مثال بسيط على هذه الآلية.

الآلية الرابعة تتعلق بالسياسة الاقتصادية التنموية التي اتبعها النظام الاستبدادي، وأدت إلى إهمال الريف السوري وتهجير شبابه باتجاه التطوع في المؤسسات العسكرية والأمنية، والسكن في عشوائيات سكنية، بهدف حصار المدن الرئيسة في سورية من مجموعات أمنية وعسكرية، إضافة إلى عشرات الفروع الأمنية المنتشرة في كل مدينة سورية، إضافة إلى سياسة الفقر والتجويع التي اتبعها في حقبة حكمه، من خلال جعل الفرد مشغولًا طول اليوم بهدف تأمين لقمة عيشه، بحيث لا وجود لوقت الفراغ الذي من خلاله يمكن للمواطن التفكير في قضايا الشأن العام.

الآلية السادسة تتعلق بالتنشئة الاجتماعية السياسية، بهدف احتواء الفئات العمرية السورية كافة، في إطار المنظمات السياسية والنقابية المهنية الخاصة بالنظام الاستبدادي (البعث، شبيبة الثورة، اتحاد الطلبة، النساء، العمال، الفلاحين، الحرفيين، طلائع البعث، المعسكرات الشبيبة والجامعية….. الخ).

الآلية السابعة تتعلق بالاستبعاد المكاني، الذي برز في إثر الثورة السورية 2011، من خلال عملية التهجير القسري المنهجية للسوريين المعارضين أو الذين يمكن أن يكونوا الحاضنة الاجتماعية للمعارضة، حتى وصل عدد المهجرين قسريًا إلى نصف الشعب السوري تقريبًا.

أخيرًا، كل هذه الآليات وغيرها أيضًا مارسها النظام الاستبدادي السوري على السوريين كافة، في كلا الاتجاهين العمودي والأفقي، العمودي من خلال هيمنة حزب البعث على المؤسسات المجتمعية السورية كافة، وهيمنة عائلة الأسد ومخلوف وشاليش وغيرها على الموارد الاقتصادية والتحكم فيها والتمتع بالثروة السورية والثراء الشديد، والأفقي من خلال إبعاد معظم الجماعات السورية الأخرى، التي لا تملك وسائل الإنتاج والثروة في المجتمع، وإخضاعها لسلطة أفراد وجماعة صغيرة متحكمة في كل شيء بالمجتمع السوري.

أخيرًا، للخروج من هذا الاستبعاد الاجتماعي في سورية المستقبل؛ لا بد من سياسة اجتماعية جديدة تتضمن إعطاء الحق الديمقراطي الدستوري، لكل المواطنين البالغين العاقلين السوريين في الاشتراك بصورة منظمة، في مؤسسات معنية بصنع القرارات السياسية التي تتصل بالدولة السورية، وممارسة هذا الحق ممارسة فعلية بعيدًا من عوامل الضغط والإجبار والإلزام؛ إذ يجب أن تظل في إطار ديمقراطي، يتسق معه إطار الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية، في إطار الشعور بكل من حرية الفكر، العمل السياسي، التعبير عن الرأي، من خلال اشتراك المواطنين في تلك الجهود على أساس الدافع الذاتي والتطوعي، الذي يترجم شعور المواطنين بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية، تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية السورية.

من شبكة جيرون

الحراك الإيراني!

عبدالمنعم سعيد

خلال فترة قصيرة جرت في طهران ومدن إيرانية أخرى مظاهرات كثيفة مثل تلك «المليونية» التي جرى الحديث عنها خلال فترات ما سمي «الربيع العربي». حدث ذلك مرتين: مرة حزناً على اغتيال قاسم سليماني رئيس خلايا القدس بالحرس الثوري الإيراني، والمشرف على التوابع الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة؛ والمرة الثانية كانت سخطاً على سقوط الطائرة الأوكرانية وعلى متنها 176 مسافراً أغلبهم من الإيرانيين. زمنياً لم يكن الفارق ما بين الأولى والثانية إلا أيام، ورغم ذلك كان الفارق في مضمونها كبيراً، ففي الأولى كانت الجماهير تشارك السلطة الإيرانية في عزاء «شهيد»، أما في الثانية فقد كانت رفضاً للنظام الذي ساد إيران منذ الثورة عام 1979. كانت السلطات الإيرانية قد نفت لعدة أيام أن يكون الجيش الإيراني أو الحرس الثوري مسؤولاً عن الكارثة الجوية، ولكن المتظاهرين وجهوا غضبهم إلى شخصيات السلطة، وورد أنهم يهتفون: «سليماني قاتل»، و«الزعيم خائن»، و«الموت للديكتاتور» في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. وهكذا تعارضت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بشكل حاد مع المزاج الوطني بعد اغتيال القائد العسكري، وعلى عكس الاحتجاجات التي بدأت بسبب ارتفاع أسعار الوقود في الخريف الماضي، فإن الموجة الأخيرة من المظاهرات ضمت العديد من الطلاب والإيرانيين من الطبقة المتوسطة. فهل نحن إزاء «حراك» تراكمي جاء من جوف الظروف الاقتصادية، والفساد السياسي، ونتائج العقوبات الأميركية، والاعتصار الثوري للجماهير بعد أربعة عقود من الثورة «الإسلامية»، والشمولية الدينية لنظام ولاية الفقيه؛ أم أننا أمام انقسام «حراكي» للشعب الإيراني ما بين المؤيدين للنظام الذين تحركوا في المليونيات الأولى؛ وهؤلاء الذين تحركوا في المليونيات الثانية؟ والإجابة عن هذا السؤال ربما تكون أكثر تعقيداً مما يبدو عليه الحال الإيراني المعقد تعقيد السجاد الإيراني في عقده المعقدة!
في كتب العلوم السياسية فإن ما جرى في إيران على وجهيه ينتمي إلى ما يسمى بـ«الظاهرة الجماهيرية»؛ بالطبع يمكن تسميتها بالهبَّة أو الانتفاضة أو حتى الثورة أو الاكتفاء بالحراك، ولكن جوهر الموضوع يظل خروج جماهير غفيرة بمئات الآلاف ترفع شعارات بعينها، وتدعو إلى تغيير موقف ما يكون في حالتنا مواجهة الولايات المتحدة التي قامت بالاغتيال؛ أو مواجهة السلطة السياسية التي لم تعد الجماهير تعتقد في مشروعيتها السياسية أو للتعبير عن موقف من حالة سياسية واقتصادية لم يعد ممكناً تحملها. الجماهير هنا تكتسب من قوة العدد قدرة غير منظورة ولكنها محسوسة لدى كل من يهمه الأمر، وهنا يصبح الفرد جزءاً عضوياً من جمع كبير يصعب انكساره، ولديه اعتقاد كبير أن هذه الجماعة الكبيرة لا تجتمع على خطأ، والمقدر لها هو نصر مبين. وهي من ناحية أخرى لا تختلف كثيراً على الظاهرة ذاتها التي جرت في كثير من دول العالم حينما سارت الجماهير في هونغ كونغ وتشيلي وكاتالونيا وفرنسا، وفي المنطقة العربية في العام الماضي في السودان والجزائر ولبنان والعراق، وقبل عشر سنوات في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، وبقدر أقل في العديد من الدول العربية الأخرى. الحركة في كل هذه الحالات تغذي ذاتها بذاتها، تجدد طاقاتها من انضمام المزيد من الجماهير، أو قدرة تنظيم سياسي أو جماعة على تشكيل وعي الجماهير في اتجاه تحقيق صورة مختلفة للمجتمع والدولة.
من حيث الشكل فإن الحراك الإيراني الأول كان أهم سماته السواد الذي هو لون شيعي متميز من الأصل، وفي لحظة حزن عميقة، فإن الرجال والنساء شكلوا موجات من السواد بلغ بهم الحزن مبلغه إلى درجة من التدافع أدت إلى مقتل 57 إيرانياً، غير عشرات من الجرحى. الحركة كلها من شعارات إلى أصوات وهتاف وصراخ ودموع فيه الكثير من الألم الذي ربما لا يأتي حزناً على سليماني، إنما حزناً على طابور كبير من الضحايا الذين ضاعوا في الثورة، وفي الحرب الإيرانية العراقية وما تلاها من حروب ذهب إليها الشباب في العراق أيضاً وسوريا واليمن وأماكن أخرى بعيدة. في الحراك الإيراني الثاني كانت الصورة المعتادة في حراكات شرق أوسطية أخرى لشباب الطبقة الوسطى، ومع السواد كانت هناك ألوان للشعر والثياب، وأطلت خصل من شعور منسابة لفتيات من تحت غطاء الرأس غير المحكم في هذا الحال. وعلى خلاف التزمت البادي في الحراك الأول فإن هناك حالة من الأريحية والبسمة والأمل داخل الحراك الثاني ربما بطبيعة فارق السن، وربما لأنَّ الاعتقاد بات سائداً أنه آن أوان التغيير. هل تغير الإيرانيون خلال أيام، أم أن ما حدث مع الطائرة من أكاذيب حلق تحولاً في ذات الرأي العام؟
معرفة ذلك سوف تحتاج قدراً من الزمن، فتداعيات الأزمة الإيرانية الأميركية لا تزال في بدايتها، وكما هو الحال في كل الأزمات التي تصل إلى حافة الهاوية والحرب، فإنها تترك تفاعلات داخل كل طرف شارك فيها.
الولايات المتحدة سوف تعبر عن تفاعلاتها من خلال صناديق الانتخاب من الآن وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ وبالفعل فإن تفاعلات أميركا في منطقة الخليج قبل اغتيال سليماني وبعده باتت مؤثرة على عملية محاكمة الرئيس ترمب في مجلس الشيوخ، بقدر ما هي مؤثرة على انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية والتي سوف تبدأ أولى مراحلها مع انتخابات ولاية «أيوا». خلال أيام. العراق اتجه نحو طلب خروج القوات الأميركية ثم سحب الطلب عندما طرحت واشنطن أثماناً غير معقولة؛ ولكن آثار الأزمة لا تزال معلقة، خاصة وهي مركبة مع الحراك العراقي، واختيار وزارة جديدة، وإعادة تركيب العلاقات بين بغداد وطهران حيث الأولى تعاني من ثمن التحالف، والثانية تخشى من أن يكون اغتيال سليماني والمهندس العراقي ليس تعبيراً عن وحدة، وإنما لأنَّه آن أوان الفراق بعد أن أصبحت العراق ساحة التصعيد الجاري والمحتمل. أما إيران فإن التفاعلات خرجت على صورتين: الموت لأميركا والموت لإسرائيل في ناحية؛ ويسقط المرشد العام في ناحية أخرى!؛ ولكن النتيجة لم تكن هتافات فقط، وإنما رد فعل تمثل في ضربات لا تقتل أحداً، وتصعيداً في تخصيب اليورانيوم تقوم به طهران لكي تعود الأزمة «النووية» إلى مكانها في صدارة الصورة. رد الفعل الأوروبي على ذلك أخذ صورتين: صورة من دول الاتحاد الأوروبي وهي إما أن يعود الجميع «5+1» إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى بحثاً عن اتفاق جديد يطمئن له الجميع؛ وصورة من بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي وباتت تحت قيادة بوريس جونسون أكثر صراحة من كل ما سبق، ومن ثم فإن المسألة ببساطة هي أن تقبل إيران «بصفقة ترمب». إذا كان كل ذلك يشير إلى حالة سيولة، خاصة إذا ما أضيفت لها مواقف إقليمية ودولية أخرى، فإن ذلك يعكس الواقع بعد أزمة كبيرة لا تزال التناقضات الكبرى فيها ساخنة.

صحيفة الشرق الأوسط

تقرير أممي جديد حول محاكمات داعش في العراق

متابعة: مركز عدل لحقوق الإنسان.

على خلفية تقرير جديد صدر اليوم الثلاثاء، حول محاكمات داعش في العراق، شددت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة ميشيل باشيليت، على أهمية محاسبة المسؤولين عن الفظائع المرتكبة بحق الشعب العراقي، فيما أكدت أيضا على ضرورة أن يتمتع المتهمون بمحاكمة عادلة.  

يعتبر نظام العدالة الجنائية العادل والمنصف عنصرا أساسيا في أسلوب الحياة الديمقراطي، وعاملا رئيسيا لبناء الثقة والشرعية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان–ميشيل باشيليت

والتقرير المشترك الصادر تحت عنوان “حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: المحاكمات بموجب قوانين الإرهاب والآثار المترتبة على العدالة والمساءلة والتماسك الاجتماعي في أعقاب مرحلة داعش”، عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يقرّ “بالجهود الكبيرة المبذولة لضمان المساءلة عن الفظائع التي ارتكبها عناصر تنظيم داعش”. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى مخاوف جدية بشأن “محاكمات غير عادلة تُعرّض المدعى عليهم لغبنٍ كبير”.

ويعتبر “نظام العدالة الجنائية العادل والمنصف عنصرا أساسيا في أسلوب الحياة الديمقراطي، وعاملا رئيسيا لبناء الثقة والشرعية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان”، بحسب المفوضة السامية لحقوق الإنسان. 

وفي حين أقرت باشيليت بواجب “محاسبة المسؤولين عن الفظائع واسعة النطاق المرتكبة ضد الشعب العراقي” وأهمية أن يشعر الضحايا بتحقيق العدالة، أكدت على واجب “أن يتمتع المتهمون بالحق في محاكمة عادلة، وأن تطبق هذه المعايير بشكل صارم”. 

مزاعم متكررة عن حدوث تعذيب

الضمانات الصارمة للاحتجاز والإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمات العادلة لا تثبت الالتزام بالعدالة فحسب، بل هي لبنةٌ أساسيةٌ ضروريةٌ من أجل القدرة على الصمود–جينين هينيس- بلاسخارت

وبينما أشارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيدة جينين هينيس- بلاسخارت إلى ما قام به تنظيم داعش في الماضي من مختلف أنواع المظالم، “بما في ذلك المحاكمات الجائرة وإساءة معاملة المحتجزين، لتغذية أجندتها العنيفة”، قالت “إن الضمانات الصارمة للاحتجاز والإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمات العادلة لا تثبت الالتزام بالعدالة فحسب، بل هي لبنةٌ أساسيةٌ ضروريةٌ من أجل القدرة على الصمود”. 

وأفاد التقريرُ المشترك بأن الإجراءات القضائية ضد المُدّعى عليهم من تنظيم داعش جرت على نحو منتظم بشكل عام، وأن القضاة كانوا مزودين بالملفات التحقيقية على نحو منتظم. إلا أنه أوضح أن “انتهاكات لمعايير المحاكمة العادلة عرّضت المُدّعى عليهم لغبنٍ كبير مقارنة بجهة الادعاء”، مشيرا إلى تمثيل قانوني غير فعّال وإمكانيات محدودة لتقديم الأدلة أو الطعن فيها. 

وأضاف التقرير أن “الاعتماد المفرط على الاعترافات، -في ظل مزاعم متكررة بحدوث تعذيب لم تتم معالجتها بشكل كافٍ والتي تشكّلُ بحدّ ذاتها انتهاكا لحقوق الإنسان- قد زاد من تلك المخاوف”.

أحكام صادرة على خلفية الانتماء إلى تنظيم إرهابي

من شوارع بغداد، العراق.يونامي / سناء كريم

من شوارع بغداد، العراق by يونامي / سناء كريم

وقد استند التقرير إلى مراقبة مستقلة لـ 794 محاكمة في محاكم جنائية لأفرادٍ مُدّعى عليهم، مرتبطين بشكل رئيسي بتنظيم (داعش) من 1 أيار/ مايو 2018 إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أُجريت بدعم كامل من مجلس القضاء الأعلى في العراق.

وركّزت المحاكمات بموجب الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب بشكلٍ أساسي على “الانتماء” لمنظمة إرهابية، دون التمييز بين أولئك الذين شاركوا في العنف وارتكاب جرائم دولية، وأولئك الذين انتموا إلى داعش في سبيل النجاة بأنفسهم و/ أو انتموا بالإكراه.

وكمثال على ذلك، أورد التقرير إحدى القضايا التي راقبتها البعثة في 23 من أيار/مايو 2013، في محكمة أحداث الكرخ ببغداد، حيث صدر حكم بحق حدث (كان في الرابعة عشرة من عمره وقت ارتكاب الجريمة المزعومة) وذلك بالاستناد إلى الاعتراف الذي قدمه بأن أسرته (والده ووالدته وأشقاءه الثلاثة) كانت جزءا من مجموعة أفراد مدنيين عملوا كدروع بشرية لحماية مقاتلي تنظيم داعش من الضربات الجوية.

توصيات التقرير

وقد رحبت البعثة بالخطوات التي اتخذتها الحكومة العراقية للسعي إلى تحقيق العدالة والمحاسبة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق. وفيما تدرك البعثة التحديات الماثلة أمام النظام القضائي العراقي، ودعما لجهوده، أصدرت عدة توصيات بما فيها:

إجراء مراجعة شاملة لممارسات المحاكمة؛

الامتثال للحقوق المتعلقة بالمحاكمة العادلة والضمانات الإجرائية؛

إصدار الأحكام بهدف تعزيز إجراءات العدالة الجنائية، بما يتماشى مع دستور العراق والتزامات الدولة بموجب القانون الدولي؛

توفير الحماية الفعالة لحقوق الإنسان.

أخبار الأمم المتحدة

النزوح البشري إلى المجهول

متابعة: مركز عدل لحقوق الإنسان

أفادت تقارير واردة من مناطق القصف الذي يقوم به النظام السوري والطيران الروسي بأن مئات الآلاف نزحوا من بيوتهم هرباً من جحيم الأسد.

حيث تتعرض بلدات كثيرة في ريف إدلب لقصف مكثف، ويستخدم النظام الكثافة النارية ما أدى إلى قتل العشرات وجرح المئات.

وخلال 48 ساعة الماضية نزحت عشرات الآلاف من السكان هائمين على وجوههم في مناخ شتائي قاسٍ، غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

الموجهة النازحة هي الأكبر خلال الأشهر الماضية.

—————————-   

وكالات

شرق الفرات مسرحاً للصراعات الدولية

إذا كان ذلك التوسع الروسي أصبح أمراً اعتيادياً في عموم مناطق غربي الفرات، نظراً لفهم روسيا المناخ السياسي في هذه المنطقة بشكل جيد منذ تدخلها في سوريا من القدرة على احتواء وإدراك المصالح المتضاربة للقوى المحلية والإقليمية هناك، واستطاعت بموجب ذلك أن تنفرد لوحدها كضامن دولي، لكنه ليس كذلك في شرقي الفرات بعد عودة أمريكا من جديد إلى المنطقة بعد قرارها بالانسحاب من سوريا في السادس من أكتوبر في العام الفائت، حيث بدأت بتسيير دورياتها بشكل مكثف، بالرغم من التوسع الجزئي الروسي في بعض المناطق في عين العرب (كوباني) والقامشلي وعين عيسى بعد الاتفاق الذي حصل بين قوات سوريا الديمقراطية وروسيا لوقف الاحتلال التركي لشمال سوريا، وانسحاب التحالف الدولي بقيادة أمريكا من بعض المناطق الحدودية في الشمال السوري والبقاء في المناطق الغنية بالطاقة.

ويعود اختلاف الوضع في هذه المنطقة عن غربي الفرات إلى وجود قواعد امريكية وقواتهاالتي تقوم بتسيير بدوريات في المنطقة وما حدث خلال الأسبوع المنصرم من توترات بين الدوريات الأميركية والروسية والتي وصلت إلى حد الاشتباكات بالأيدي وإشهار السلاح بينهما في عدة مناطق، على الطريق الواصل بين الحسكة والقامشلي بعد ان منعت الدورية الأميركية الرتل الروسي من العبور، وعلى الطريق الدولي M4 عند بلدة تل تمر اعترضت القوات الأميركية الدورية الروسية هناك وتعتبر هذه البلدة عقدة وصل بين حلب والحسكة،وأيضا على طريق المالكية في ريف الحسكة والتي تقع في أقصى شمال شرق سوريا حيث توجد فيها فيش خابور (معبر سيمالكا) الحدودي مع العراق ويعتبر هذا المعبر عصب لوجستي هام لقوات التحالف الدولي من عبور شحنات من الأسلحة والمعدات الأخرى، في محاولة من روسيا للوصول إليه وهذا يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، بعد أن أحكمت روسيا سيطرتها على جزء كبير من الطرق الدولية التجارية M5،M4 في سوريا.

يبدو أن الاعتراضات الأميركية للدوريات الروسية بمثابة قرار للولايات المتحدة الأميركية بمنع روسيا من التوسع للسيطرة على المناطق الاستراتيجية والوصول إلى الحدود العراقية والسيطرة على المعابر في تلك المنطقة، ومن جانب آخر يعتبر صراعاً على كسب المناطق وبسط النفوذ بعد مشاحنات أصبحت شبه يومية تحدث في المناطق المذكورة، ما يمكن وصفه بالتسابق بين الطرفين بعد أن جلبت القوات الروسية لمنظومة صواريخ متطورة وحديثة إلى مطار القامشلي، ما يوضح بما فيه كفاية على أن اصطدام القوات الروسية بالقوات الأميركية يدل على حقيقة الصراع بينهما. وبالتالي تتجه المنطقة لتصبح بقعة توتر بين قوتين رئيسيتين في سوريا إذا استمر هذا الاحتكاك، ويترافق ذلك مع الهجوم الدبلوماسي والسياسي لروسيا على التواجد الأميركي في سوريا واتهامها ب”الاستيلاء على أبار النفط واستخدامها بطرق غير قانونية والسعي إلى تقسيم سوريا وإقامة كيان انفصالي وعدم جدية الولايات المتحدة في محاربة داعش”، وفي المقابل خلطت العودة الأميركية مجدداً إلى المنطقة الأوراق الروسية، فقامت القوات الأميركية بإعادة الانتشار والعمل على توسيع قواعدها في شمال وشرق سوريا ومن أبرز تلك القواعد هي قاعدة تل بيدر القريبة من الطريق الدولي M4 في الحسكة.

وعليه يمكن القول بأن التحركات الروسية التي تلاقي اعتراضاً من القوات الأميركية تهدفبناءً على قراءتها للأحداث إلى تقويض وإضعاف الولايات المتحدة الأميركية في شمال وشرق سوريا، في محاولة منها أي روسيا إلى الاستفادة من المستجدات الحاصلة مؤخراً، مرحلة ما بعد قرار ترامب بالانسحاب الجزئي من سوريا ومن العملية الاحتلالية التركية الأخيرة على المنطقة والمعروفة باسم (نبع السلام)، واستثمار هذه التطورات في سياق تدخلها في شمال وشرق سوريا والتوسع بناءً على ذلك. قد يتيح لها هذا الأمر بسط نفوذها على كامل الجغرافيا في شمال وشرق سوريا على حساب الولايات المتحدة الأميركية، ويستند الإدراك الروسي على أن الأحداث الأخيرة في هذه المنطقة غيرت من قواعد اللعبة، ولديها أوراق نتيجة تدخلها في هذه المنطقة تستطيع أن تمارس الضغط السياسي والدبلوماسي على أمريكا لإجبارها على الانسحاب، في ظل التذبذب الأميركي بقيادة ترامب حيال مستقبل شمال وشرق سوريا، وتصاعد المطالب في العراق بالانسحاب الأميركي الذي يشكل ضغطاً عليه.

تعد هذه المعطيات السياسية انعكاساً للتعقيدات الظاهرة في طبيعة العلاقة الروسية ـ الأميركية حيال شمال وشرق سوريا والتي تبرز على هيئة الأحداث المثارة بينهما بعد التطورات الأخيرة. لا يمكن الاستهانة بما يحصل واعتباره أحداث عابرة، حيث يسعى كل طرف إلى فرض أجنداته على أرض الواقع، باستقطاب قوات سوريا الديمقراطية وتركيا من خلال محاولة كل من روسيا وأمريكا بكسب الطرفين وتطويعهما في خدمة استراتيجيتهماالهادفة إلى إخراج كل طرف للآخر في شرقي الفرات، حيث أعلن الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية بأنه على استعداد للتفاوض مع تركيا حول الخلافات العالقة بينهما ومن جانبه صرح أردوغان عقب عودته من مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا أن ترامب وبوتين طلبا منه التفاوض مع الجنرال مظلوم، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على محاولة كل من روسيا والولايات المتحدة في جذب كل من قسد وتركيا القوتان اللتان تعيشان حالة العداء مع بعضهما البعض.

من الواضح أن هذا الصراع سيستمر بمختلف الأشكال بين أمريكا وروسيا حول المنطقة، وبالتالي فإن روسيا ستحاول بكل ما في وسعها فرض هيمنتها على الثروات الموجودة في شرقي الفرات لإعادة تعويم النظام السوري وفقاً لرؤيتها للحدث السوري، لأنه في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام والتهديد بقانون قيصر سيؤثر بشكل سلبي على مسار الفاعلية الروسية في سوريا، ومن أجل ذلك يمكن أن يتأزم الوضع ليذهب إلى أبعد من الاعتراض الأميركي للدوريات الروسية، ولربما حدوث صدام بينهما في مرحلة معينة، خاصة أن الولايات المتحدة رفضت الانسحاب من العراق واستقدمت مزيداً من القوات على خلفية تصفيتها لقاسم سليماني، واستغلال روسيا لهذ الحدث بأحد جوانبه وتبعاتهعلى أمريكا للخروج من المنطقة بغية الوصول إلى الحدود العراقية، ومن هنا تبقى احتمالية حدوث صدام قائمة في ظل واقع رئاسي لولايات المتحدة متهم بنوع من التواطؤ مع السياسة الروسية، لذلك لا أعتقد بأن الولايات المتحدة ستستجيب في نهاية المطاف للرؤية الروسية، بل على العكس تماماً ستحاول الولايات المتحدة ترميم أخطاء إدارة ترامب وكسب ثقة حلفائها وشركائها في سوريا والعالم العربي من جديد لتفادي انزلاق المنطقة برمتها نحو حرب لا منتصر فيها سوى روسيا وإيران اللتين تسعيان لفرض أجنداتهما على جميع القوى المنهكة.
موقع إيلاف