سوريا: تقييد المساعدات يعرقل الاستجابة لـ”كورونا” على “الأمم المتحدة” أن تسمح مجددا بنقل المساعدات من العراق؛ وعلى دمشق السماح بمرورها

سوريا: تقييد المساعدات يعرقل الاستجابة لـ”كورونا” على “الأمم المتحدة” أن تسمح مجددا بنقل المساعدات من العراق؛ وعلى دمشق السماح بمرورها

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم الأربعاء ٢٩ نيسان/أبريل، إنّ القيود على تسليم المساعدات من دمشق والعراق  تعرقل وصول الإمدادات والطواقم الطبية المطلوبة للحؤول دون وصول فيروس “كورونا” إلى مليونيّ شخص في مناطق “شمال شرق سوريا”، واحتوائه، ومعالجته. في ١٧ أبريل/نيسان ٢٠٢٠، أعلنت السلطات في مناطق “شمال شرق سوريا”، عن تسجيل أول حالة وفاة مؤكدة متصلة بالفيروس.
على “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، إلغاء قراره الصادر في كانون الثاني/ يناير فورا، والذي قضى بسحب إذنه بنقل إمدادات المعونة الأممية من العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. منذ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠، تعجز جماعات الإغاثة غير التابعة للأمم المتحدة، التي كانت تعتمد سابقا بشكل كبير على الأمم المتحدة لإمدادات الرعاية الصحية، عن تسليم مساعدات كافية من إقليم كردستان العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. على السلطات السورية في دمشق أيضا رفع قيودها الطويلة الأمد على وصول المساعدات إلى المناطق السورية التي يسيطر عليها الأكراد في مناطق “شمال شرق سوريا” والسماح للإمدادات والطواقم الطبية بالدخول إليها.
قال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم النزاعات والأزمات في هيومن رايتس ووتش: “ثمّة مليوني شخص عالقين في شمال شرق سوريا من دون الأدوات اللازمة لمواجهة تفشّي فيروس كورونا. مع ارتفاع عدد الإصابات، على القادة العالميين والإقليميين التحرّك فورا للسماح بوصول الإمدادات والطواقم الطبية المنقذة للحياة إلى الأشخاص الأشدّ حاجة إلى الدعم”.
بين ٣١ آذار/مارس و٢١ نيسان/أبريل، قابلت هيومن رايتس ووتش عشرة عمّال إغاثة ومسؤولين في وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية غير حكومية تعمل في مناطق “شمال شرق سوريا” أو تدعم العمليات هناك حول العراقيل التي واجهوها خلال استجابتهم لفيروس كورونا هناك. في ٢٢ نيسان/أبريل، أرسلت هيومن رايتس ووتش أسئلة بشأن هذه العراقيل إلى الحكومة السورية وحكومة إقليم كردستان في منطقة كردستان العراق. في ٢٧ نيسان/أبريل، ردّت حكومة إقليم كردستان وقالت إنها، بين ١ آذار/مارس ومنتصف نيسان/أبريل، وافقت على جميع الطلبات التي قدمتها المنظمات غير الحكومية لإيصال المساعدات الطبية إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
حتى ٢٥ نيسان/أبريل، أجرت السلطات في دمشق فحوصات لـ ٤٨ عينة من مناطق “شمال شرق سوريا”، جاءت نتيجة واحدة منها إيجابية. تخضع معظم المنطقة لسيطرة “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” (الإدارة الذاتية)، وهي هيئة شبه مستقلة بقيادة الأكراد. بحلول ٢٥ نيسان/أبريل، أكّدت السلطات السورية ٤٢ حالة في أنحاء البلاد. بسبب قدرات الفحص المحدودة في سوريا، خاصة في الشمال الشرقي، قد يكون العدد الفعلي أعلى بكثير. رفضت السلطات في دمشق جمع بعض عيّنات فحص فيروس كورونا من مناطق “شمال شرق سوريا” لفحصها، ولم تعلم السلطات في الشمال الشرقي بنتيجة الفحص الإيجابية الأولى المسجلة في ٢ نيسان/أبريل إلّا بعد أسبوعين في منتصف نيسان/أبريل.
تسع سنين من النزاع دمّرت البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في سوريا، بما في ذلك الرعاية الصحية، ما أدّى إلى احتياجات إنسانية هائلة وتعريض السكّان، من بينهم حوالي ستة ملايين نازح داخليا، لخطر تفشي فيروس كورونا. 
حتى كانون الثاني/يناير، كان مجلس الأمن يسمح لوكالات الأمم المتحدة بنقل المساعدات من إقليم كردستان العراق ومناطق أخرى منه إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر معبر حدودي واحد – من مدينة ربيعة في العراق إلى اليعربية في مناطق “شمال شرق سوريا”. استخدمت “منظمة الصحة العالمية” بشكل أساسي هذا المعبر لإمداد المنطقة بالمساعدات الطبية.
اليعربية هو أحد المعابر الحدودية الأربعة التي أذِن مجلس الأمن باستخدامها بموجب قرار عام ٢٠١٤، ما سمح للأمم المتحدة وغيرها من وكالات الإغاثة بإيصال المساعدات إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر العراق، وإلى شمال مناطق “غرب سوريا” عبر تركيا، وإلى مناطق “جنوب سوريا” عبر الأردن. رغم أنّ بعض الدبلوماسيين والخبراء اعتبروا هذا الإذن غير ضروري، تبنّى مجلس الأمن هذه المقاربة لمواجهة رفض الحكومة السورية المستمر منح الأمم المتحدة وغيرها من وكالات الإغاثة إذنا صريحا بإمداد المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة بالمساعدات.
في ١٠ كانون الثاني/يناير، ردّا على تهديد روسيا باستخدام حقّ النقض ضدّ تفويض الأمم المتحدة، شطب مجلس الأمن رسميا معبر اليعربية ومعبر الرمثا  عند الحدود الأردنية – السورية، من قائمة المعابر الحدودية المسموح استعمالها، ما أوقف جميع مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى مناطق “شمال شرق سوريا وجنوبها”. قال عمّال الإغاثة إنّ القرار أوقع المنظمات غير الحكومية التي تعتمد على دعم الأمم المتحدة في عملياتها في مناطق “شمال شرق سوريا” في عجز قيمته ٤٠ مليون دولار أمريكي في ٢٠٢٠، بما في ذلك ٣٠ مليون دولار للرعاية الصحية، وهي مخصصة بمعظمها لمنع انتشار فيروس كورونا والاستجابة له.
جماعات الإغاثة الدولية في إقليم كردستان العراق، التي كانت تحصل في السابق على جميع إمداداتها الطبية لعملياتها في مناطق “شمال شرق سوريا” عبر منظمة الصحة العالمية، استمرّت حتى منتصف آذار/مارس في نقل مساعدات محدودة وطواقم إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر معابر حدودية أخرى. لكن، منذ ذلك الحين، يقول مسؤولو الإغاثة إنّ حكومة إقليم كردستان وضعت قيودا حدّت من كمية المساعدات التي يمكنهم نقلها إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. تشمل القيود منع الوكالات من شراء الإمدادات الطبية في إقليم كردستان العراق إذا كانت مُعدّة للتصدير إلى مناطق “شمال شرق سوريا” لمنع انتشار والاستجابة لفيروس كورونا هناك؛ والغموض المحيط بتنظيم النقل عبر الحدود.
بحسب عمال الإغاثة الذين تحدّثت إليهم هيومن رايتس ووتش وتصريحات مسؤولين أكراد في مناطق “شمال شرق سوريا”، رغم بعض الشحنات الجوية في آذار/مارس ونيسان/أبريل من دمشق إلى القامشلي في “شمال شرق سوريا” والخاضعة لسيطرة الحكومة، تمنع العوائق البيروقراطية في دمشق وكالات الإغاثة من نقل الإمدادات إلى الأجزاء غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في المنطقة.
قال عدة عمال إغاثة من منظمات مسجّلة في دمشق ووكالات الأمم المتحدة إنّ قيود دمشق وحكومة إقليم كردستان ومجلس الأمن مجتمعة حالت دون تمكّنها من الاستعداد لتفشي فيروس كورونا في مناطق “شمال شرق سوريا”. في منتصف نيسان/أبريل، أفادت الأمم المتحدة أنّ “غياب القدرات المخبرية في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى تأخيرات في النقل، وتحديات الوصول، يُعيق فحص الحالات المشتبه بإصابتها في الوقت المناسب”.
الوضع ليس أفضل في مناطق “شمال غرب سوريا”، لا بل قد يكون أسوأ، وسط انهيار شبه كلي للبنية التحتية للرعاية الصحية في المنطقة، والاكتظاظ الشديد في الأماكن التي تأوي المدنيين النازحين، واستمرار خطر الأعمال العدائية. يعاني قطاع الرعاية الصحية من نقص حاد في المعدات اللازمة للتصدي لتفشي فيروس كورونا. لكن الأمم المتحدة أنشأت هناك مراكز تنسيق وتستمرّ في استعمال إذن مجلس الأمن بنقل المساعدات عبر الحدود من تركيا لضمان قدرة الوكالات على جلب بعض الإمدادات الطبية على الأقلّ.
بموجب القانون الدولي، سوريا مُلزمة بضمان الحق في الصحة لجميع سكانها. رغم أنّ مواردها وقدرتها المحدودة قد تضمن تحقيق الحقوق كاملة فقط بمرور الوقت، لا تزال السلطات مُلزمة بعدم التمييز بين الفئات السكانية المختلفة، وعليها تبرير أيّ قيود على تسليم المساعدات. بموجب القانون الإنساني الدولي، لا يمكن حجب الموافقة على السماح بعمليات الإغاثة لأسباب تعسفية. يتعيّن على جميع الأطراف في نزاع مسلّح والدول المعنية الأخرى أيضا أن تسمح وتسهّل المرور السريع وغير المعرقل للمساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين بحيادية.
بما أنّ فيروس كورونا يُنهك حتى أكثر الأنظمة الصحية تطوّرا بسرعة، على مجلس الأمن أن يأذن مجددا بعمليات المساعدات عبر الحدود فورا من إقليم كردستان العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر اليعربية. سيسمح ذلك لمنظمة الصحة العالمية بتقييم دعمها إلى المنطقة وتعزيزه، بما في ذلك من خلال استئناف الإمدادات والتمويل لجماعات الإغاثة الدولية التي تعمل في مناطق “شمال شرق سوريا”، بموجب “خطّة الاستجابة الإنسانية العالمية لفيروس كورونا المستجد” و”صندوق التمويل الإنساني عبر الحدود لسوريا”. على مجلس الأمن أيضا أن يأذن من جديد بمعابر إضافية بناء على توصيات الأمم المتحدة ووكالات إنسانية أخرى.
على المانحين الدوليين أيضا الضغط على السلطات السورية وحكومة إقليم كردستان لتسهيل نقل مساعدات الرعاية الصحية وغيرها إلى جميع أنحاء “شمال شرق سوريا” وعدم عرقلة وصولها لأسباب تعسفية أو تمييزية، بما في ذلك التأخيرات البيروقراطية غير المبرّرة.
قال سيمبسون: “في وقت تكافح أكثر الاقتصادات تقدّما لمواجهة فيروس كورونا، على الحكومات حول العالم أن تتضافر معا للسماح فورا للمساعدات الطارئة بالوصول إلى الملايين المعرّضين للخطر في المناطق التي يمزّقها النزاع. ينبغي ألّا ينتظر مجلس الأمن والسلطات السورية التفشي الكارثي المحتمل للفيروس في شمال شرق سوريا حتى يتحركوا من أجل تفادي المزيد من الوفيات التي لا داع لها”.
فيروس كورونا والرعاية الصحية، وإمدادات المياه في شمال شرق سوريا
حتى أواخر شباط/فبراير، كان نصف سكّان مناطق “شمال شرق سوريا” تقريبا البالغ عددهم أربعة ملايين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، من ضمنهم ١.٣٤ مليون – حوالي ٥٠٠ ألف منهم نازحون – في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة. بحسب الأمم المتحدة وبناء على المقابلات مع وكالات الإغاثة،  نصف النازحين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى الخدمات الكافية، بما فيها الرعاية الصحية، والماء، والنظافة الصحية، والمأوى. يعيش حوالي ٧٠ ألف منهم، بمَن فيهم ٤٤ ألف طفل، في أوضاع مزرية في المخيمات التي تأوي إجمالا نازحين من المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي. وضعت وكالات الإغاثة خطّة لحملة توعية عن فيروس كورونا في المخيمات والملاجئ الجماعية.
سنين النزاع التسعة والعدوان العسكري التركي في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩ أثّرت بشدة على نظام الرعاية الصحية في المنطقة التي تحكمها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بقيادة الأكراد. حتى منتصف نيسان/أبريل، كان ٢٦ مركزا للرعاية الصحية العامة فقط من أصل ٢٧٩ شغّالا بالكامل. تفيد وكالات الإغاثة أنّ مستشفيَين فقط من أصل ١١ مستشفى يعملان بطاقة كاملة، وأنّ جميع مناطق محافظات مناطق “شمال شرق سوريا” لا تستوفي أقلّ عدد لازم لأسرّة الطوارئ، أي عشرة أسرّة لكلّ ١٠ آلاف شخص، بينما تستوفي منطقة واحدة فقط الحدّ الأدنى اللازم في حالات الطوارئ من الأطبّاء، والطاقم التمريضي، والقابلات، أي ٢٢ عامل رعاية صحية لكلّ ١٠ آلاف شخص. تتواجد تقريبا جميع أسرّة وحدات العناية الفائقة البالغ عددها ٣٥ سريرا في محافظة الحسكة، وهناك بعض الأسرّة فقط في محافظتي الرقّة ودير الزور.
قال عمال الإغاثة إنّ السلطات الكردية في مناطق “شمال شرق سوريا” ليس لديها نظام خاص بها للفحص والرصد في مجال الصحة العامة. استجابة لشحّ معدّات اختبار فيروس كورونا، عدّلت السلطات الصحية في مناطق “شمال شرق سوريا” في آذار/مارس غرض استخدام بعض معدّات الفحص المصممة لأمراض أخرى مثل شلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية.
في ١٥ نيسان/أبريل، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ من بين ١.٥٠٠ فحصا لفيروس كورونا أجرتها السلطات في دمشق، ٤٨ منها كانت لعيّنات جُمِعت من مناطق “شمال شرق سوريا”، جاءت نتيجة أحدها إيجابية. من المرجّح أن يكون العدد الفعلي للحالات أعلى بكثير، بسبب عدم توفّر الفحوصات في الشمال الشرقي. في ١٠ نيسان/أبريل، سهّلت حكومة إقليم كردستان نقل آلتيّ فحص تفاعل البوليمراز المتسلسل (PCR) و ١.٥٠٠ مجموعة أدوات فحص للفيروس إلى الإدارة الذاتية في مناطق “شمال شرق سوريا”. منذ ذلك، استلمت الإدارة الذاتية ثلاث آلات أخرى وحتى ٢٣ نيسان/أبريل، كانت آلتَان إضافيتان في طور النقل إلى المنطقة.
قال عمال إغاثة يعملون في مناطق “شمال شرق سوريا” لـ هيومن رايتس ووتش إنّ المنطقة تفتقر إلى مجموعة واسعة من الإمدادات الطبية الأساسية والمتطوّرة، بما فيها تلك الضرورية لمنع تفشّي فيروس كورونا. صرّحت إحدى وكالات الإغاثة أنّ “تهافت المصابين بفيروس كورونا قد يرهق بسرعة كبيرة المرافق الطبية العامة القليلة العاملة في المنطقة” وأنّ النقص في الإمدادات والطواقم الطبية أرغم مرافق عدّة على الإغلاق “ما جعل المرضى الذين لديهم أمراض مزمنة وجهازهم المناعي ضعيف أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا”.
خلُص خبراء الصحة إلى أنّ المنطقة بالكاد لديها القدرة على التعامل مع ٥٠٠ إصابة بفيروس كورونا، وأقلّ من ذلك على الأرجح، بحسب سرعة التفشي وشدّته. قالت الأمم المتحدة في ٢٥ نيسان/أبريل إن السلطات الصحية والمنظمات غير الحكومية تجهّز عددا من مراكز العزل في المناطق الخاضعة وغير الخاضعة لسيطرة الحكومة في مناطق “شمال شرق سوريا”. قالت مصادر مطّلعة في دمشق إنّ منطقة “شمال شرق سوريا” لديها عشرة أجهزة تنفّس اصطناعي للكبار وجهاز للصغار، وطبيبَيْن فقط مدرّبين على استخدامها.
منذ تشرين الأول/أكتوبر، تسيطر تركيا والقوات المدعومة منها على محطة مياه علوك قرب بلدة راس العين في مناطق”شمال شرق سوريا”. تؤمّن المحطة المياه لـ ٤٦٠ ألف شخص في محافظة الحسكة، بما فيها مدينة الحسكة وثلاثة مخيمات نزوح. قال عمال الإغاثة إنّ السلطات التركية أوقفت ضخّ المياه مرّات عدّة منذ بداية السنة، ومؤخرا لبضعة أيام في أواخر آذار/مارس.
تقاعس السلطات التركية عن تأمين إمدادات كافية من المياه للمناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد الكردية في مناطق “شمال شرق سوريا” أثّر أيضا على قدرة وكالات الإغاثة على حماية المجتمعات الضعيفة في حال تفشي وباء كورونا، لأنّ النظافة الشخصية الصارمة، بما في ذلك غسل اليدين بانتظام، أساسية لتفادي انتشار الفيروس. قالت وكالات الإغاثة إنّها منحت الأولوية للتوعية حول أهمية غسل اليدين، لكنّ الانقطاع المتكرّر للمياه صعّب عليها تشجيع هذا التدبير الأساسي. 
أثر قرار مجلس الأمن على دخول المساعدات إلى مناطق “شمال شرق سوريا” من العراق
بين ٢٠١٤ وبداية كانون الثاني/يناير ٢٠٢٠، أذِنَ مجلس الأمن لوكالات الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الصحة العالمية، و”اليونيسف”، و”صندوق الأمم المتحدة للسكان”، وشركائها المنفّذين بإيصال المساعدات المتعلّقة بالرعاية الصحية وغيرها إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر معبر اليعربية الحدودي في إقليم كردستان العراق، دون الحاجة إلى إذن من الحكومة السورية. بسبب المخاوف الأمنية، تأخّرت عمليات نقل مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود حتى نيسان/أبريل ٢٠١٨.
منذ ذلك الحين، تدعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية رسميا “شمال شرق سوريا”، بما في ذلك قطاع الرعاية الصحية فيها، عبر استقدام المساعدات والطواقم الطبية الضرورية للغاية. قالت وكالات الإغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إنّ برامج الرعاية الصحية الخاصّة بها في “شمال شرق سوريا” خلال ٢٠١٩ اعتمدت بشدّة على الإمدادات من منظمة الصحة العالمية التي تصل عبر معبر اليعربية.
أفاد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شباط/فبراير ٢٠٢٠ حول المساعدات عبر الحدود من إقليم كردستان العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا” أنّ عددا محدودا من مرافق الرعاية الصحية في الشمال الشرقي استلم إمدادات عبر دمشق، وأنّ معظم المرافق اعتمدت بشدة على الإمدادات من الأمم المتحدة في العراق التي أُرسلت عبر معبر اليعربية.
مع ذلك، استعملت روسيا، بدعم من الصين، حقّ النقض لمنع تجديد التفويض بنقل المساعدات عبر الحدود بأكمله في كانون الأول/ديسمبر، مؤكّدة أنّ ذلك لم يعُد ضروريا بما أن تلك المناطق أصبحت الآن تحت سيطرة الحكومة السورية ويمكن الوصول إليها من دمشق، وأنّ “الإرهابيين” كانوا يأخذون المساعدات في الماضي. في كانون الثاني/يناير، هددت موسكو مجددا باستعمال حق النقض ضد التفويض بأكمله، طالبة من مجلس الأمن شطب اليعربية والرمثا (نقطة عبور عند الحدود الأردنية السورية) من قائمة المعابر الحدودية المرخصة لأنّهما “غير ضروريين البتّة بما أنّ المساعدات الإنسانية إلى تلك المنطقة باتت تأتي من الداخل السوري”.
في ١٠ كانون الثاني/يناير، أقر مجلس الأمن القرار رقم ٢٥٠٤ الذي سحب الإذن باستعمال معبريّ اليعربية والرمثا من أصل أربعة معابر أذِن باستعمالها في قراراته السابقة حول إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا. جدّد القرار الإذن باستعمال المعبرين الآخرين بين تركيا و مناطق “شمال شرق سوريا” لمدّة ستة أشهر فقط، بالمقارنة مع ١٢ شهرا في القرارات السابقة ذات الصلة بشأن سوريا.
منذ ذلك الحين، توقّفت وكالات الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الصحة العالمية، عن إيصال المساعدات من إقليم كردستان العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا”، وأصبحت جماعات الإغاثة الدولية غير قادرة على تلقّي الدعم المالي من الأمم المتحدة، بما في ذلك عبر خطّة الاستجابة الإنسانية العالمية لفيروس كوفيد-١٩ وصندوق التمويل الإنساني عبر الحدود لسوريا. قال عمال إغاثة إنّ إجمالي فجوة التمويل لعام ٢٠٢٠ بلغ حوالي ٤٠ مليون دولار، بما في ذلك ٣٠ مليون دولار للتمويل والإمدادات المتصلة بالصحة. يعود هذا النقص إلى خسارة ٧.٥ مليون دولار تمّ التعهد بها سابقا، وحوالي ٢٣.٦ مليون دولار كانت تتوقع استلامها من أجل استجابتها لفيروس كورونا، لو بقي معبر اليعربية مفتوحا، بالإضافة إلى ١٠ ملايين دولار أخرى تم التعهد بها في السابق للدعم غير المتعلق بالرعاية الصحية. قالت وكالة إغاثة إنّ ذلك سيؤدي إلى انقطاع خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك إغلاق المرافق.
أفاد عمال إغاثة في مناطق “شمال شرق سوريا” أنّ حكومة إقليم كردستان سمحت لهم لسنوات عديدة باستخدام المعابر الحدودية بين إقليم كردستان العراق ومناطق “شمال شرق سوريا” لإيصال بعض المساعدات، بما في ذلك إمدادات وطواقم الرعاية الصحية، واستمرّ ذلك بين منتصف كانون الثاني/يناير وأوائل آذار/مارس. قال عمال الإغاثة إن الإدارة الذاتية في “شمال شرق سوريا” أغلقت في ١ آذار/مارس حدودها مع إقليم كوردستان العراق، لكنها سمحت لوكالات الإغاثة في الإقليم بالاستمرار في دخول مناطق “شمال شرق سوريا”، بحيث لا يؤثر إغلاق الحدود على الجانب السوري على عملياتها عبر الحدود من العراق.
مع ذلك، قالوا إنّ القيود التي فرضتها حكومة إقليم كردستان تدريجيا خلال النصف الأول من آذار/مارس لمنع انتشار فيروس كورونا في إقليم كردستان العراق صعّبت على الوكالات الاستمرار في توسيع نطاق استجابتها الطبية في مناطق “شمال شرق سوريا”. تضمنت القيود السماح للوكالات بنقل الإمدادات والطواقم الطبية إلى مناطق “شمال شرق سوريا” مرة واحدة في الأسبوع فقط، ومنعها من شراء الإمدادات الطبية اللازمة لتفادي انتشار فيروس كورونا ومعالجته (بما في ذلك معدات الوقاية الشخصية)، المخصصة للتصدير إلى مناطق “شمال شرق سوريا” من العاصمة إربيل ومدن أخرى.
قال عمال الإغاثة إن شحّ الإمدادات الطبية المتعلقة بفيروس كورونا في العالم، بما فيها معدات الحماية، أثّرت أيضا على عملياتهم في مناطق “شمال شرق سوريا”، حيث لا يمكنهم الحصول على الإمدادات من خارج المنطقة بكميات كافية وبتكلفة غير عالية. قالت وكالات الإغاثة إنها رغم تحسن إجراءات منح الإذن التي طُرحت في منتصف نيسان/أبريل، لا تعرف ما إذا كانت السلطات ستسمح لها باستيراد الإمدادات المتعلقة بفيروس كورونا إلى إقليم كردستان العراق، بدلا من شرائها محليا ونقلها إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
قالت وكالات الإغاثة أيضا إن حكومة إقليم كردستان فرضت في ١٧ آذار/مارس قيودا على التنقل بين البلدات والمدن، بما فيها أربيل ودهوك قرب الحدود السورية، رغم أنها استثنت وكالات الإغاثة الدولية. لكن في ١٨ آذار/مارس، أغلقت حكومة إقليم كردستان المعبر الرئيسي الذي كانت تستخدمه الجماعات لنقل المساعدات إلى مناطق “شمال شرق سوريا” بسبب أضرار نتجت عن عاصفة. أوقفت أيضا الترتيبات السابقة بالسماح لطواقم وإمدادات وكالات الإغاثة بالعبور مرة واحدة أسبوعيا إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
قالت وكالات الإغاثة إن حكومة إقليم كردستان لم تضع منذ ١٨ آذار/مارس إجراءات واضحة لمنح الإذن، وأغلقت معظم المكاتب الحكومية، وبذلت جهودا كثيرة للتفاوض من أجل الحصول على إذن لنقل إمدادات طارئة إلى مناطق “شمال شرق سوريا”، تكرر ذلك مرتين في ٣١ آذار/مارس و١٥ نيسان/أبريل. نتيجة لذلك، اضطرت وكالات الإغاثة إلى الاحتفاظ بمساعدات الرعاية الصحية الحرجة، بما فيها المخصصة للجهوزية والاستجابة لفيروس كورونا، في مستودعاتها في أربيل. قالوا إن القيود الحدودية حدّت من استجابتها في مناطق “شمال شرق سوريا”، مما أدى إلى نقص حاد في معدات الحماية الشخصية والإمدادات للوقاية من العدوى ومكافحتها، بما فيها المواد الأساسية مثل مطهرات اليد، وإن ٧١ مرفقا صحيا في مناطق “شمال شرق سوريا” تضررت.
تقول وكالات الإغاثة أيضا إن حكومة إقليم كردستان أعلنت في ١٥ نيسان/أبريل أنها ستسمح تلقائيا لوكالات الإغاثة بنقل الإمدادات المتعلقة بالرعاية الصحية، والمياه، والصرف الصحي، وبرامج توزيع الغذاء والنقد إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. قالت حكومة الإقليم أيضا إنها ستوافق على نقل الإمدادات لقطاعات الإغاثة الأخرى، بما فيها الزراعة، تبعا للحالة. مع ذلك، تقول وكالات الإغاثة إنها منذ ١٥ نيسان/أبريل، استمرت في التفاوض مطولا مع السلطات في كل مرة أرادت نقل الإمدادات والطواقم الطبية إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
في ٢٧ نيسان/أبريل، ردّت حكومة إقليم كردستان العراق على ملخص النتائج التي توصّلت إليها هيومن رايتس ووتش. في ردّها، قالت حكومة الإقليم إن الإدارة الذاتية في “شمال شرق سوريا” أغلقت في ١ آذار/مارس المعبر الحدودي الرئيسي الذي كانت تستخدمه وكالات الإغاثة في الإقليم لنقل الإمدادات والموظفين إلى مناطق “شمال شرق سوريا” كإجراء وقائي لمنع انتقال فيروس كورونا إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. قالت حكومة الإقليم أيضا إنها في تاريخ غير محدد بعد ١ آذار/مارس، سمحت لوكالات الإغاثة بالعبور إلى مناطق “شمال شرق سوريا” مرة واحدة في الأسبوع بمساعدات إنسانية تتعلق بالفيروس، وإنه، بين ١ آذار/مارس و ١٥ نيسان/أبريل، عبرت عشرة أطنان من الإمدادات الطبية إلى مناطق “شمال شرق سوريا”. قالت أيضا إنه منذ ذلك الحين كان على وكالات الإغاثة الاستمرار في طلب الإذن لكل شحنة من إمدادات الرعاية الصحية. أخيرا، قالت حكومة إقليم كردستان إن وكالات الإغاثة لا تستطيع شراء الإمدادات المتعلقة بفيروس كورونا من إقليم كردستان العراق لتصديرها إلى مناطق “شمال شرق سوريا” لأن الحكومة لديها نقص في المواد اللازمة لعلاج الأشخاص في الإقليم، لكن إذا استوردت وكالات الإغاثة هذه الإمدادات، يمكنها نقلها إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
قال عمال الإغاثة من غير الأمم المتحدة الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنه حتى لو تمكنوا من استئناف مستوى العمل عبر الحدود الذي قاموا به حتى أوائل آذار/مارس، لن يتمكنوا من الاستجابة بشكل كاف لتفشي فيروس كورونا. قالوا إن وكالات الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الصحة العالمية، ضرورية بغية تنسيق استجابة واسعة النطاق وضمان كمية كافية من الإمدادات بشكل موثوق، بما أن الاستجابة تتطلب محاور تنسيق وسلاسل إمداد مستقلة.
ردد ذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شباط/فبراير ٢٠٢٠ بشأن المساعدات عبر الحدود، والذي خلص إلى أنه في حال عدم العثور على بديل “بحلول أيار/مايو … من المرجح أن يزيد النقص في الأدوية الأساسية المتاحة في المرافق الطبية التي كان تورّد في السابق عن طريق عملية الأمم المتحدة عبر الحدود”.
اقترح نفس التقرير معبر تل أبيض – أقجه قلعة بين تركيا ومناطق “شمال شرق سوريا” كبديل محتمل لليعربية. مع ذلك، منذ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩، تسيطر “فصائل الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا على تل أبيض، ومن غير المحتمل أن تسمح بإيصال المساعدات من المدينة إلى المناطق التي تسيطر عليها الإدارة التي يقودها الأكراد في مناطق “شمال شرق سوريا”.
قيود السلطات السورية على المساعدات من دمشق
يعكس قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢١٦٥ لعام ٢٠١٤، الذي يجيز العمليات عبر الحدود دون إذن دمشق، اعتراف المجتمع الدولي بـ “حجب [الحكومة السورية] الموافقة بشكل تعسفي وغير مبرر على عمليات الإغاثة واستمرار الأوضاع التي تعوق إيصال الإمدادات الإنسانية إلى جهات المقصد داخل سوريا”. في حزيران/يونيو ٢٠١٩، أفادت هيومن رايتس ووتش أن إطار العمل القانوني والسياسي للحكومة السورية يسمح بتحويل وجهة المساعدات والتوزيع التمييزي للإمدادات الأساسية.
قال عمال الإغاثة الذين قابلناهم إن منظماتهم استمرت منذ كانون الثاني/يناير في مواجهة عقبات كبيرة قائمة منذ زمن في نقل المواد والأفراد من دمشق إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في مناطق “شمال شرق سوريا”.
قالت وكالتا إغاثة إنه حتى مطلع نيسان/أبريل، لم ترسل السلطات السورية أيا من مجموعات أدوات جمع عينات فيروس كورونا البالغ عددها ١.٢٠٠ إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في الشمال الشرقي.
في آذار/مارس، جمع موظفو “فريق الاستجابة السريعة” من وزارة الصحة السورية عينات أخذت من مرضى في الشمال الشرقي باستخدام مجموعات أدوات فحص عُدِّل غرض استخدامها، وأخذوها إلى “مختبر الصحة العامة المركزي” في دمشق لفحصها. قال ممثلو السلطات في مناطق “شمال شرق البلاد”، بالإضافة إلى عامل إغاثة مُطلع، إن دمشق رفضت في البداية فحص العينات، لكن مسؤول دولي رفيع المستوى تدخّل وضغط على السلطات للسماح بإجراء الفحص.
وفقا لمسؤول في هيئة الصحة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وعامل إغاثة، رفضت السلطات السورية في دمشق أيضا منح بعض موظفي فريق الاستجابة السريعة إذنا لجمع عينات من مناطق “شمال شرق سوريا”، وفي حالة واحدة منعت جمع عينات مخطط له من مستشفى الحسكة الوطني بحجة أن إحدى وكالات الإغاثة العاملة هناك منعتها السلطات السورية من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
بحسب الأمم المتحدة، في ٢٩ آذار/مارس، فحص المختبر المركزي للصحة العامة في دمشق عينة جُمعت قبل يومين في القامشلي. قال عامل إغاثة إن المختبر أكّد في ٢ نيسان/أبريل أن نتيجة فحص العينة كانت إيجابية، وأعلنت السلطات نتيجة الاختبار كجزء من إجمالي الحالات الجديدة على مستوى البلاد في نفس اليوم. توفى المريض في اليوم نفسه في مستشفى القامشلي الوطني. مع ذلك، انتظرت السلطات ثلاثة أيام لإبلاغ منظمة الصحة العالمية أن إحدى الحالات نشأت في الشمال الشرقي و١١ يوما آخر لإبلاغ مستشفى القامشلي الوطني. قال عامل إغاثة إن منظمة غير حكومية شريكة لمنظمة الصحة العالمية أبلغت الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي في اليوم نفسه بنتيجة الفحص. في ١٧ نيسان/أبريل، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية/قسد” في مناطق “شمال شرق سوريا” نتيجة الفحص وانتقدت منظمة الصحة العالمية والحكومة السورية لتقاعسهما عن إبلاغها قبل ذلك.
قال تقرير إعلامي إن دمشق وافقت في مطلع نيسان/أبريل على السماح بإجراء الفحوصات في الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة من القامشلي، لكن حتى منتصف نيسان/أبريل لم يحدث ذلك. بحسب الأمم المتحدة، وافقت الحكومة السورية على مختبرات فحص جديدة في اللاذقية وحمص وحلب، لكن ليس في الحسكة أو دير الزور.
قالت وكالات الإغاثة أيضا إن عليها الحصول على إذن من السلطات السورية في دمشق لكل موظف وشحنة إمدادات تسافر من دمشق إلى “شمال شرق سوريا”. قالوا إن السلطات لا تستجيب غالبا لطلباتهم، وإذا فعلت قد يستغرق الأمر عدة أشهر. قالوا إنهم إذا حصلوا في النهاية على إذن، قد يُلغى التحرك في اللحظة الأخيرة بسبب مخاوف أمنية. إذا سُمح لهم في نهاية المطاف بنقل الموظفين أو الإمدادات، غالبا ما تؤخرهم العقبات البيروقراطية أكثر أثناء محاولتهم مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
يصف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شباط/فبراير ٢٠٢٠ أيضا مجموعة من العوائق البيروقراطية بين دمشق ومناطق “شمال شرق سوريا” في ٢٠١٩ وبداية ٢٠٢٠ وأشار إلى أن “ثمة قيود مفروضة، بشكل خاص، على إيصال المواد الطبية عبر خطوط النزاع”. تشمل العوائق الموافقات من الحكومة السورية على الشحنات التي تستغرق ما بين ثلاثة وأربعة أشهر، والشاحنات “تنتظر في نقاط التفتيش لمدة تصل خمسة أيام”، وإلغاء القوافل لأسباب أمنية. قال عامل إغاثة في الأمم المتحدة إنه، وبالمقارنة مع ٢٠١٩، لم يُسجَّل تحسّن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ٢٠٢٠ في عدد مرافق الرعاية الصحية الكائنة في الأجزاء غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في “شمال شرق سوريا” التي تلقت إمدادات طبية من دمشق.
قالت وكالات الإغاثة إن منظمة الصحة العالمية واليونيسف في دمشق أرسلت في آذار/مارس إمدادات طبية إلى القامشلي الخاضعة لسيطرة الحكومة في مناطق “شمال شرق سوريا”، بما فيها مجموعات أدوات الطوارئ الصحية، ومجموعات أدوات القابلات، ومجموعات أدوات الإنعاش، وأن ما يزيد قليلا عن نصف الإمدادات، من حيث الوزن، بلغ المناطق غير الخاضعة للحكومة.
في ١٤ نيسان/أبريل، قالت منظمة الصحة العالمية إنها نقلت ٢٠ طنا من المعدات الطبية إلى القامشلي، بما يشمل سبع أجهزة تنفس اصطناعي. بحسب الأمم المتحدة، أرسلت منظمة الصحة العالمية في السابق شحنة من المساعدات الطبية، بما فيها معدات الوقاية الشخصية ومواد التعقيم، إلى مديرية الصحة التابعة للحكومة في الحسكة والقامشلي، وأن الشحنة إلى القامشلي لن يستخدمها إلا المستشفى الذي تديره الحكومة هناك.
قال عامل إغاثة إن الإمدادات التي نُقلت في آذار/مارس ونيسان/أبريل “أقل بكثير” من كمية المساعدات الطبية التي كانت الأمم المتحدة تنقلها عادة إلى مناطق “شمال شرق سوريا” من إقليم كردستان العراق، وهو ما أكده عمال إغاثة آخرون.
بحسب تقرير مُرتقب للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الوضع في سوريا حصلت عليه هيومن رايتس ووتش، تولّت وكالتان أمميتان، اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، إيصال ٦٤ طن من الإمدادات الصحية برّا ضمن شحنتين إلى مناطق “شمال شرق سوريا”، وتم تسليم نحو ٦٠% منها إلى مرافق صحية أو وكالات الرعاية الصحية التي كانت تحصل في السابق على إمداداتها عبر اليعربية. يبيّن التقرير ان ٣٠% فقط من المرافق المدعومة في السابق عبر اليعربية استلمت بعض هذه الإمدادات.
قال عامل إغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات السورية لم تمنح حتى منتصف نيسان/أبريل تفويضا لمنظمة الصحة العالمية لنقل إمداداتها برا من دمشق إلى مستودعات الأمم المتحدة في القامشلي، وأصرت على أن تُرافق قوات الأمن أي قوافل مشابهة. قال تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شباط/فبراير إن السلطات السورية لم تمنح في ٢٠١٩ أي إذن يسمح بوصول إمدادات الأمم المتحدة إلى مناطق “شمال شرق سوريا” برا. أكد التقرير أيضا أنه بما أن تكلفة الشحن الجوي أعلى بكثير من القوافل البرية، ستحتاج الأمم المتحدة إلى تصريح للتسليم البري إذا “أرادت أن تزيد من تسليم المواد الصحية إلى الشمال الشرقي بطريقة مستدامة”.
قال عامل إغاثة إن المنسق المقيم للأمم المتحدة في دمشق مسؤول عن مطالبة السلطات السورية هناك بالسماح للأمم المتحدة وجماعات الإغاثة غير التابعة للأمم المتحدة بننقل الإمدادات والطواقم من دمشق إلى مناطق “شمال شرق سوريا”، لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى تُمنَح هذه الطلبات.
قال أربعة عمال إغاثة إنهم نتيجة للعراقيل البيروقراطية المستمرة في دمشق “لم يتمكنوا من الانطلاق بسرعة من دمشق” للاستجابة إلى تهديد فيروس كورونا في مناطق “شمال شرق سوريا”.
في منتصف آذار/مارس، قال ممثل منظمة الصحة العالمية في سوريا بدمشق: إذا أردنا إرسال مساعدات إلى الشمال الشرقي، ينبغي أن نحصل على ما يسمى “رسالة تسهيل” من دمشق … حتى الآن، لم يكن لدينا أي مشاكل … كانت العملية سلسة … أكثر من ٥٠% من الإمدادات كانت تذهب إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة، إما مباشرة إلى المستشفى، أو حتى إلى الهلال الأحمر الكردي والشركاء الآخرين والمنظمات غير الحكومية، وبالطبع، ٣٠% أو ٤٠% إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.
في ٣٠ آذار/مارس، ناقش مجلس الأمن  الاستجابة لفيروس كورونا في سوريا، بما يشمل مسألة عرقلة السلطات السورية في دمشق إيصال المساعدات بين دمشق والمناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في الشمال الشرقي. قال منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة إن المرافق والطواقم الطبية في مناطق “شمال شرق سوريا” الذين كانوا يعتمدون على الإمدادات الطبية القادمة من إقليم كردستان العراق عبر معبر اليعربية الحدودي، لم يستلموها بعد عبر قنوات بديلة. أشار إلى أن الإمدادات الطبية، نتيجة لذلك، كانت تتناقص وأن مركز رعاية صحية أولية واحد على الأقل سيُغلق على الأرجح. التقرير المُرتقب للأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في سوريا أكّد ذلك وخلُص إلى أن “مرافق طبية متعددة كانت تعتمد في السابق على عمليات النقل عبر الحدود أبلغت عن نقص حاد”.
وضع الرعاية الصحية العامة في سوريا
بعد تسع سنوات من الحرب التي دمرت جزء كبيرا من البنية التحتية للبلاد، وحتى أوائل ٢٠٢٠، كان ما يزيد قليلا عن ١١ مليون سوري يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية . لا يزال الملايين يفتقرون إلى الوصول المنتظم إلى المياه الآمنة والصالحة للشرب، وهو أمر أساسي لدعم ممارسات النظافة الجيدة. يعيش الكثير من الناس في مراكز حضرية كثيفة السكان، أو تجمعات غير رسمية، أو مخيمات مكتظة، مما يجعل من المستحيل تقريبا استخدام تدابير التباعد الاجتماعي اللازمة للتخفيف من انتشار الفيروس.
حتى ٢١ نيسان/أبريل، قالت السلطات السورية إن البلاد فيها ٤٢ إصابة مؤكدة بفيروس كورونا أسفرت عن ٣ وفيات. في ١٥ نيسان/أبريل، قالت منظمة الصحة العالمية إن السلطات في دمشق أجرت حوالي ١.٥٠٠ فحص، وقالت في السابق إن هذا العدد من الفحوصات أقل بكثير من العدد المطلوب لتحديد مدى انتشار فيروس كورونا في البلاد. وفقا للأمم المتحدة، أرسلت الصين حوالي ألفي مجموعة أدوات فحص أخرى إلى دمشق في منتصف نيسان/أبريل، بينما تبرعت روسيا بـ ٥٠ جهاز تنفس اصطناعي و١٠ آلاف مجموعة أدوات فحص وألفي مجموعة من معدات الحماية الشخصية. جهّزت السلطات ١٢ مركزا للحجر الصحي على الأقل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وحتى منتصف نيسان/أبريل، كان لديها مختبر واحد للفحص فقط في دمشق.
خلُص مسح أجري مؤخرا إلى أن الحد الأقصى لعدد الإصابات بفيروس كورونا التي يمكن علاجها بشكل مناسب في سوريا هو حوالي ٦.٥٠٠، بناء على عدد أسرة وحدات العناية المركزة المزوّدة بأجهزة التنفس – حوالي ٣٢٥ – وحساب أن نحو ٥% من إجمالي الإصابات ستتطلب عناية مشددة. وفقا لمصدر طبي مُطلع في دمشق، هناك في سوريا حوالي ٣٠٠ جهاز تنفس فقط.
في أواخر آذار/مارس، قالت منظمة الصحة العالمية إنها بسبب إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية، واجهت مشاكل في ضمان توفّر المعدات اللازمة لفحص فيروس كورونا.
فرضت عدة دول عقوبات على سوريا، بما فيها الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي”. قال عاملا إغاثة إن بعض المواد المطلوبة لفحص فيروس كورونا تخضع لعقوبات، لكنهما تقدما بطلب للحصول على إعفاءات وينتظران ردا من وزارة التجارة الأمريكية. ينبغي منح هذه الإعفاءات دون تأخير.
التوصيات
للاستعداد بشكل مناسب لتفشي فيروس كورونا المحتمل في مناطق “شمال شرق سوريا”، ينبغي اتخاذ الخطوات العاجلة التالية:
نظرا لسرعة انتشار فيروس كورونا التي تُرهِق حتى الأنظمة الصحية الأكثر تطورا، يتعيّن على مجلس الأمن أن يأذن فورا من جديد بالعمليات عبر الحدود من إقليم كردستان العراق إلى مناطق “شمال شرق سوريا” عبر معبر اليعربية الحدودي، من خلال تجديد قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٤٩ الصادر في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨، والذي يمنح إذنا صريحا بإيصال المساعدات عبر الحدود من خلال أربعة معابر حدودية لمدة عام واحد. سيُمكّن ذلك منظمة الصحة العالمية من زيادة دعمها للمنطقة بسرعة ويسمح لجماعات الإغاثة الدولية التي تقدم خدمات في الخطوط الأمامية في مناطق “شمال شرق سوريا” بالحصول على تمويل بموجب خطة الاستجابة الإنسانية العالمية لمواجهة فيروس كورونا.
على روسيا ألا تعارض إعادة تفعيل مجلس الأمن لمعبر اليعربية، خاصة وأن دمشق لم تسمح لوكالات الأمم المتحدة والوكالات غير التابعة لها بزيادة تسليمها للإمدادات المتعلقة بالرعاية الصحية من دمشق إلى مناطق “شمال شرق سوريا” والتي كان يمكن أن تعوّض عن إغلاق اليعربية في كانون الثاني/يناير. على روسيا التصويت على تجديد القرار ٢٤٤٩ بأكمله. عليها أيضا استخدام نفوذها للضغط على السلطات السورية للسماح للأمم المتحدة ووكالات الإغاثة غير التابعة للأمم المتحدة بالوصول الإنساني دون عوائق إلى جميع المناطق في سوريا، بما فيها المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
على الحكومة السورية أن تُسهل فورا وصول موظفي الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية دون عوائق إلى جميع مناطق سوريا، بما فيها المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. عليها أيضا أن تخفف القيود التي تؤدي إلى تأخيرات بيروقراطية غير مبررة في وصول الإمدادات الطبية والمساعدات الأخرى إلى مناطق “شمال شرق سوريا”، وأن تسمح لمجموعات الإغاثة بإجراء تقييمات مستقلة للاحتياجات ومساعدة الناس على أساس الحاجة، دون أي قيود سياسية.
على منظمة الصحة العالمية والأمين العام للأمم المتحدة، و وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ والمنسق الإنساني المقيم في سوريا، مواصلة الضغط على السلطات السورية للسماح لمنظمة الصحة العالمية ووكالات الأمم المتحدة الأخرى في دمشق بتوفير الإمدادات وطواقم الإغاثة لجميع أنحاء سوريا بطريقة عادلة وتستند حصرا إلى تقييم موضوعي للاحتياجات. عليهم أيضا أن يدعموا قدرة جماعات الإغاثة الدولية على شراء الإمدادات الطبية الضرورية بشكل عاجل والتي قد لا تكون متاحة تجاريا في المنطقة أو في أي مكان آخر عبر توفير الوصول إلى البائعين وسلاسل الإمداد المفضلة للأمم المتحدة.
حكومة إقليم كردستان في مُلزمة باتخاذ إجراءات للسيطرة على انتشار فيروس كورونا في إقليم كردستان العراق، لكن بقدر ما تسمح أي احتياطات ضرورية، ينبغي أن تسمح للإمدادات والطواقم الإنسانية بدخول مناطق “شمال شرق سوريا” والسماح لوكالات الإغاثة بنقل الإمدادات الإنسانية من مدنها إلى الحدود السورية. ينبغي أيضا أن تزيل القيود المفروضة على مبيعات الإمدادات الطبية إلى جماعات الإغاثة التي تحاول الاستجابة لنقص الإمدادات من الأمم المتحدة بعد أن سحب مجلس الأمن الإذن بعبور مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى المنطقة.
على تركيا التوقف عن قطع تدفق المياه من محطة العلوك للمياه والضغط على حكومة إقليم كردستان للسماح لوكالات الإغاثة غير التابعة للأمم المتحدة بالعبور ذهابا وإيابا إلى مناطق “شمال شرق سوريا”.
على المانحين الدوليين، بمن فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تشجيع السلطات السورية وحكومة إقليم كردستان على السماح للإمدادات الطبية والأفراد بدخول مناطق “شمال شرق سوريا”. على المانحين أيضا أن يطلبوا من المنسق المقيم للأمم المتحدة في دمشق تقديم تحديثات منتظمة حول عدد الطلبات التي قدمتها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومجموعات الإغاثة الدولية إلى السلطات السورية لإنشاء قدرة فحص محلية، وتسريع المشاركة الكاملة للمعلومات لجميع نتائج الفحوصات، ونقل الإمدادات والطواقم من دمشق إلى الأجزاء الخاضعة لسيطرة الحكومة في الشمال الشرقي، وعدد الطلبات المرفوضة وعلى أي أساس، ومدى سرعة الموافقة على البقية، وعدد الإمدادات والعاملين الذين وصلوا إلى تلك المناطق.
على الجهات المانحة أن تطلب من مجلس الأمن أن يأذن من جديد باستخدام وكالات الأمم المتحدة لمعبر اليعربية الحدودي للمساعدة في وصول الإمدادات والطواقم إلى مناطق “شمال شرق سوريا” من إقليم كردستان العراق. ينبغي أن يواصل الأمين العام ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ الضغط على المجلس للقيام بذلك، مع استكشاف السبل للاستمرار في ضمان استمرار انتقال المساعدات المنقذة للحياة عبر الحدود إذا لم يتم استعادة التفويض بالكامل.

المصدر: هيومن رايتس ووتتش

لماذا أصبحت حقوق الإنسان ضرورة ملحة؟

لماذا أصبحت حقوق الإنسان ضرورة ملحة؟

حميد الكفائي*

الصراع البشري حول حقوق الإنسان بدأ منذ نشأة الخليقة ولم ينتهِ حتى الآن، ولكن الحاجة لمراعاة هذه الحقوق أصبحت ملحة الآن بعد أن أدرك العالم، في ضوء جائحة كورونا، أن الناس جميعا من كل الأجناس والطوائف والأعراق والألوان والثقافات، يحتاجون إلى مساندة بعضهم بعضا، فإن لم يتضامنوا فإنهم سيتضررون جميعا، فالجميع في زورق واحد كما يقول المثل القديم الموجود في كل اللغات والثقافات.
وحقوق الإنسان، كما حددها الإعلان العالمي، بمواده الثلاثين، تتلخص في حق بني البشر جميعا، ودون تمييز، في الحرية والحياة والأمن والغذاء والمأوى والتملك والتعليم والصحة والمعتقد وتقرير المصير. ويمكن تصنيف حقوق الإنسان إلى خمسة أصناف رئيسية، ليست حسب الأهمية، فكل الحقوق مهمة وإن تقدم بعضها على البعص الآخر، ولكن حسب إمكانية الحصول عليها. فهناك الحقوق المدنية (الحياة والأمن والحرية) والحقوق السياسية (الحماية القانونية والمساواة أمام القانون)، والحقوق الاقتصادية (العمل والتملك وتقاضي أجور متساوية مع الأقران)، والحقوق الاجتماعية (التعليم والزواج) والحقوق الثقافية (المشاركة في النشاطات الثقافية المتعلقة بثقافة الفرد والجماعة) والحقوق الجماعية (تقرير المصير).
ورغم الكلام الكثير عن حقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، لكن الحقيقة أن بني البشر لم يحصلوا على كل هذه الحقوق دائما، حتى في الدول المتقدمة، لأن بعضها قد يصعب تحقيقه أحيانا، كالحقوق الاقتصادية والسياسية، والبعض الآخر يحجبه الأقوياء، تعسفا، عن الضعفاء.
لكن ما يجب على الجميع الإقرار به الآن، خصوصا بعد جائحة كورونا، هو بالتأكيد حق الإنسان في الحياة، الذي يتضمن حقه في الوقاية من الأوبئة والأمراض والعلاج منها، فليس من العدل بشيء أن يموت الناس بسبب تجارب عبثية يجريها علماء في بعض البلدان دون اكتراث للنتائج التي يمكن أن تتركها على حياة الناس الآخرين في بلدان أخرى. وليس من العدل أيضا أن تجرى تجارب باستخدام مواد كيميائية أو ذرية يكون ضررها عاما بل قد يمتد لعدة أجيال.
الآن أصبح واضحا أن الصحة يجب أن تتقدم على كل الحقوق الأخرى لأنها مرتبطة بحق الحياة الأساسي، أو على الأقل جودة الحياة، فالإنسان العليل لا يحيى حياة كاملة وسعيدة كالإنسان السليم. لذلك أصبح ضروريا أن يشارك بنو البشر جميعا من كل الثقافات والأعراق والقارات في صياغة إعلان عالمي ملزم لكل الدول، في العمل وفق شروط صحية صارمة تمنع الإصابة الجماعية للناس في بلدان العالم الأخرى بالأمراض والأوبئة. والصحة مرتبطة هي الأخرى بحقوق الإنسان الأخرى. مر الآن ٧٢ عاما تقريبا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد تغير العالم كثيرا منذ ذلك الحين بسبب العولمة والتقدم التكنلوجي والتقدم المذهل في الاتصالات وانتشار المعلومات ووسائل النقل وطرق الإنتاج والاستهلاك والسكن، لذلك أصبح لزاما على البشرية أن تهتم بقضايا لم تكن مطروحة قبل سبعين عاما.
في السابق كان هناك ما يسمى بالاكتفاء الذاتي، الذي كانت دول العالم تسعى إلى تحقيقه، أما الآن فلم يعد هذا المبدأ قائما أو ضروريا، إذ أصبحت بلدان العالم تعتمد على بعضها، وليس صحيحا، بل ليس ممكنا، من الناحية الاقتصادية، أن يكتفي أي بلد من البلدان ذاتيا، فالجدوى الاقتصادية لإنتاج سلعة أو إنشاء مشروع تتفاوت من بلد لآخر فيمكن إنتاج محصول معين أو سلعة معينة بكلفة أقل كثيرا في بلدان محددة من بلدان أخرى.
كلفة استخراج النفط العربي مثلا أقل من البلدان الأخرى، وهذا يجعله مفضلا ومطلوبا دائما، بل إن انخفاض كلفة إنتاجه يجعل من غير المجدي اقتصاديا أن تنتجه بلدان أخرى محليا. وبينما يباع النفط العربي بسعر دون الأربعين دولارا، وأحيانا دون الثلاثين دولارا، ويبقى مربحا، فإن كلفة انتاج النفط الأمريكي تقترب من الخمسين دولارا. كلفة انتاج الرز في تايلاند وفيتنام والولايات المتحدة، والقمح في روسيا وأوكرانيا وأستراليا، أقل بكثير من انتاجها في البلدان الأوروبية والعربية والأفريقية على سبيل المثال، لذلك أصبح لزاما على البلدان المختلفة أن تتخصص في إنتاج البضائع والسلع والمحاصيل الأقل كلفة، وهذا ما وفرته التجارة العالمية الآخذة في الازدهار، والتي وفرت الكثير من الجهد والمال، ومكنت الكثير من البلدان من تحسين وزيادة انتاجها وتحقيق ثروات طائلة عبر التنافس في الأسعار.
التكامل والتقارب العالمي يفرض شروطا وظروفا جديدة، فإن كانت فيهما فوائد، وهي كثيرة، فإن هناك مخاطر أيضا، وهذه المخاطر تتعلق بالصحة أولا، وتعثر انتاج الإمدادات الضرورية للحياة ثانيا، وفي كلتا الحالتين أصبح ضروريا أن تلتزم بلدان العالم بشكل أكبر بحقوق الإنسان، خصوصا المتعلقة بالصحة وظروف العمل والأجور. فيما يتعلق بالصحة، لابد من تمكين منظمة الصحة العالمية كي تؤدي مَهَمَّة حماية البشرية من الأمراض والأوبئة ومنحها الإمكانيات التي تحتاجها والسلطات التي تمكِّنها من فرض الشروط الصحية وتطبيق المعايير الدولية للصحة والبيئة لضمان بقاء الحياة على كوكب الأرض.
أما بخصوص استمرار الإمدادات الضرورية للحياة فيجب أن تكون هناك هيئة دولية أخرى تراقب الإنتاج العالمي للمواد الضرورية وتتأكد من أن العمال والمتخصصين في مختلف أنحاء العالم يعملون في ظروف مواتية ويحصلون على حقوقهم كاملةً، خصوصا ما يتعلق بالسلامة والأمن والصحة والبيئة والأجور.
في الرابع والعشرين من أبريل من عام ٢٠١٣ حدثت كارثة عالمية لم تحظَ بتغطية إعلامية واسعة وربما نسيها العالم بعد حدوثها بوقت قصير، ألا وهي مقتل ١١٠٠ عامل في معمل للنسيج في بنغلادش إثر انهيار مبنى (رانا بلازا) على رؤوسهم. هؤلاء العمال الفقراء ماتوا بسبب إهمال مالكي المصنع وعدم التزامهم بشروط الصيانة ونسبة الاكتظاظ المسموح بها في المصانع.
هناك فساد واضح وراء وقوع هذه الكارثة الإنسانية، بل إن شبح الفساد ما زال يخيم على أسباب اندلاع جائحة كورونا إذ يعزو علماء إلى أن الفساد المتحكم بالتجارة في الأحياء البرية وأسواق بيع اللحوم والمواد الغذائية هو سبب نشوء فيروس كوفيد – ١٩ في أحد أسواق مدينة ووهان في الصين.
وبالإضافة إلى الكارثة الإنسانية التي حلت بالعمال البنغاليين وعائلاتهم، التي فقدت فجأة معيليها في دولة فقيرة تخلو من نظام محكم للضمان الاجتماعي، فإن هناك أمرا آخر ربما كان مهما لو كان المعمل ينتج مادة أخرى ضرورية كالأدوية أو الغذاء النادر أو الأجهزة الطبية أو باقي ضروريات الحياة، أو المواد الداخلة في صناعة المواد الضرورية. مثل هذه الكارثة أوقفت المعمل لسنوات عديدة وقضت على المتخصصين في صناعة المواد التي ينتجها. لذلك أصبح ضروريا أن تكون هناك ضوابط عالمية للإنتاج وحقوق العمال، وأن تطبق هذه الضوابط ليس فقط في الدول المتقدمة بل في سلسلة الإمدادات المنتشرة في دول العالم المختلفة، فقد رأينا كيف أن الإهمال والفساد في أسواق اللحوم في الصين قد تسببا في اندلاع وباء كوفيد – ١٩.
الكثير من أسواق ومصانع انتاج الأغذية لا تتوفر فيها لا الشروط الصحية المطلوبة ولا الحقوق الأساسية للعاملين، على الرغم من وجود معايير دولية كثيرة في كل مجالات الحياة، ولكن الخلل يكمن في التساهل في تطبيقها، وهذا ما كشفت عنه العديد من الدراسات والتقارير الموثقة بالصور والفيديوهات، علما أن الكثير من المصانع المخالفة للشروط الصحية ومعايير السلامة وحقوق الإنسان في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، لا تسمح لوسائل الإعلام أو هيئات الرقابة بالدخول إليها كي لا يفتضح أمرها. هناك مستفيدون من هذه المخالفات والتجاوزات وهؤلاء يجب أن يحاسَبوا ويراقَبوا من أجل الصالح العام.
أصبح واضحا الآن أن التساهل في قضايا الفساد في الكثير من الدول هو المسؤول الأول عن الكوارث العالمية، سواء كانت صحية أم بيئية أم اقتصادية أم إنسانية. والفساد هو في الحقيقة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان لأنه يتضمن تجاوزا على حقوق الآخرين، فالرشوة تُدفع لإقناع شخص بأن يقوم بعمل غير قانوني وفيه تجاوز على حقوق الآخرين، وكذلك العمولات التي يتقاضاها موظفون لقاء قيامهم بوظائفهم أو لقاء تفضيلهم شخصا على آخر أو شركةً على أخرى، أو سماحهم بالتجاوز على الصحة العامة أو المصلحة العامة. كما أن سماح الشركات الكبرى، والدول المنظِمة لعملها، بالتجاوز على حقوق الإنسان في الدول الفقيرة البعيدة سيكون له تبعات قد تمتد تأثيراتُها خارج حدود تلك الدول. لذلك لم يعد التساهل في تطبيق حقوق الإنسان مسألة ترفيه، وإنما أصبحت ضرورة حياتية تحتاجها البشرية كي تعيش بسلام.

  • كاتب وأكاديمي عراقي

مشروع قرار أممي يدعو إلى هدنة إنسانية عالمية لمدة ٩٠ يوماً

مشروع قرار أممي يدعو إلى هدنة إنسانية عالمية لمدة ٩٠ يوماً

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

في ظلِّ انتشار فايروس كورونا المستجد حول العالم وتجاوز عددِ الإصابات ثلاثة ملايين شخص، يعتزم مجلس الأمن الدولي التصويت على مشروع قرارٍ يطالب بإرساء “هدنة إنسانية” في المناطق التي تشهد نزاعاتٍ مسلّحةً حول العالم.
مشروع القرار الفرنسي التونسي، الذي أعيدت صياغته يدعو جميع الأطراف في النزاعات المسلّحة إلى الانخراط فوراً في هدنة إنسانية لمدة تسعين يوماً متتالية على الأقلّ، لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم بأمسّ الحاجة إليها، وتوفير الخدمات ذات الصلة من قبل جهات إنسانية محايدة.
وكالة الصحافة الفرنسية أشارت في تقريرٍ لها أنّ المشكلة الأكبر التي يعاني منها النص الجديد تكمن في تضمّنه فقرة فارغة تتناول دور منظمة الصحة العالمية التي وجّهت إليها الولايات المتحدة انتقاداتٍ شديدةً بسبب طريقة إدارتها لأزمة فايروس كورونا.
وكان الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش أطلق في الثالث والعشرين من آذار/مارس الماضي نداءً لوقفٍ فوريٍّ وعالميٍّ لإطلاق النّار بهدف تعزيز سُبل مكافحة الفايروس.
واجتمع مجلس الأمن حتّى الآن مرّةً واحدة للبحث في أزمة كورونا، في جلسةٍ عبر الفيديو عُقِدتْ في التّاسع من نيسان/ أبريل بمبادرةٍ ألمانيّة إستونيّة مشتركة.
المصدر: وكالات

صندوق الأمم المتحدة للسكان: توقعات بفقدان ملايين النساء لوسائل تنظيم الأسرة وارتفاع نسب العنف المنزلي وزواج الأطفال

صندوق الأمم المتحدة للسكان: توقعات بفقدان ملايين النساء لوسائل تنظيم الأسرة وارتفاع نسب العنف المنزلي وزواج الأطفال

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

مع جهود الاستجابة لجائحة كوفيد-١٩، يتوقع صندوق الأمم المتحدة للسكان أن تفقد أكثر من ٤٧ مليون امرأة في العالم القدرة على الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة الحديثة مما قد يؤدي إلى حدوث ٧ ملايين حالة حمل غير مقصودة، مرشحة للارتفاع، كلما طالت مدّة الإغلاق.
وفقا لبحث صدر، يوم أمس الثلاثاء ٢٨ نيسان/أبريل، عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، الوكالة الأممية المعنية بتعزيز الصحة والحقوق الإنجابية، فإن الحالة الصحية العامّة الطارئة بسبب كـوفيد-١٩ تفرض قيودا على الحركة وتعطّل سلسلة الإمداد، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين، وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات ويعرّضهنّ للعنف القائم على الجنس وغيرها من الممارسات الضارّة والتي من المرجّح ارتفاعها أكثر خلال الأشهر المقبلة.
وكشف البحث الذي تم إعداده بمساهمة من جامعة جون هوبكينز (الولايات المتحدة) وجامعة فيكتوريا (أستراليا) ومنظمة أفنير هيلث Avenir Health، النقاب عن النطاق الهائل لتأثير كوفيد-١٩ على السيّدات مع العبء الكبير الذي وقع على النظم الصحية، وإغلاق المرافق أو الحدّ من الخدمات المقدمة للنساء والفتيات، وتخطّي الكثير منهنّ الفحوصات الطبية الهامّة خوفا من الإصابة بالفيروس.
وبحسب البحث، فإن ٤٧ مليون سيّدة من ١١٤ دولة ذات دخل منخفض إلى متوسط قد لا يتمكنّ من الوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة الحديثة، وهو ما سيؤدي إلى حصول سبعة ملايين حالة حمل غير مقصودة إذا استمر الإغلاق لمدة ستة أشهر أخرى. وعلاوة على ذلك، مع كل ثلاثة شهور تضاف إلى الإغلاق، من المتوقع ألا تتمكن مليونا امرأة من الحصول على موانع الحمل الحديثة.
وإلى جانب الصحة الإنجابية، تتوقع المنظمة حدوث ٣١ مليون حالة إضافية من العنف القائم على نوع الجنس إذا استمر الإغلاق لمدة ستة أشهر أخرى. ومع كل ثلاثة أشهر إغلاق، من المتوقع حدوث ١٥ مليون حالة إضافية من العنف القائم على الجنس.
وقالت الدكتورة ناتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إن المعطيات الجديدة تلقي الضوء على التأثير الكارثي لكوفيد-١٩ الذي ستظهر تداعياته قريبا على النساء والفتيات حول العالم.
وأشارت إلى أن الجائحة تعمّق انعدام المساواة، مع خطر فقدان ملايين أكثر من النساء والفتيات القدرة على تنظيم الأسرة وحماية أجسادهنّ وصحتهنّ. وأضافت بالقول:
“يجب صون الصحة الإنجابية للنساء وحقوقهنّ بأي ثمن، ويجب الاستمرار بتقديم الخدمات وتسليم الإمدادات وينبغي حماية الضعيفات ودعمهنّ”.
ومع استمرار الإغلاق، يتخوّف صندوق الأمم المتحدة للسكان من حدوث اضطرابات في برامج حماية الفتيات الصغيرات خاصة من شبح الختان وزواج الصغيرات.
ويتوقع الصندوق حدوث اضطرابات في برامج منع ختان الإناث بسبب جائحة كوفيد-١٩، وهو ما يؤدي إلى حدوث مليوني حالة ختان خلال العقد المقبل، كان بالإمكان تجنبها، هذا  بالإضافة إلى الاضطرابات التي سيسببها كوفيد-١٩ في الجهود المبذولة للحدّ من زواج القاصرات، ومن المتوقع أن تحدث ١٣ مليون حالة زواج أطفال بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٣٠كان بالإمكان الحيلولة دون حدوثها.
وتُعدّ توقعات الصندوق مؤشرا مهمّا على أهمية وضع احتياجات النساء والفتيات في عمر الإنجاب في المقدمة والاستجابة الملحة لها.
ويؤكد الصندوق أن أولوياته تركز على تعزيز النظم الصحية، وشراء وإيصال الإمدادات الأساسية لحماية العاملين الصحيّين وضمان الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وخدمات العنف القائم على الجنس، خلال حالة الطوارئ العامّة التي تمثل تحديا أمام الجميع.
المصدر: مركز أنباء الأمم المتحدة

حادثة طعن في مخيم الهول

حادثة طعن في مخيم الهول

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

تعرض لاجئ عراقي وزوجته مساء يوم الأحد ٢٦ نيسان/أبريل، للطعن على يد مجهولين في مخيم “الهول” – ريف الحسكة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن لاجئاً عراقياً وزوجته تعرّضا لعملية طعن بأداة حادة من قبل مجهولين، ضمن القطاع الأول من مخيم “الهول”، مما تتسبب بإصابة الرجل في كتفه الأيمن، بينما أصيبت زوجته في ساعدها الأيمن.
ونُقل الرجل وزوجته إلى مركز “الهلال الأحمر الكردي في المخيم لتلقي العلاج، في حين اعتقلت قوى الأمن الداخلي “الأسايش” عدداً من المشتبه بهم.
هذا ويضم مخيم الهول قرابة ٧٠ ألف شخص بينهم حوالي ١٠ آلاف من عائلات تنظيم “داعش” الإرهابي، ويعيش سكان المخيم ظروفاً معيشية وإنسانية صعبة وقاسية.
المصدر: وكالات

عشرات الضحايا القتلى والجرحى بانفجار صهريج وقود في عفرين

عشرات الضحايا القتلى والجرحى بانفجار صهريج وقود في عفرين

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

انفجر اليوم الثلاثاء ٢٨ نيسان/أبريل، صهريج وقود في عفرين، أسفر عن وقوع عدد من الضحايا القتلى والجرحى، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أوضح أن الحصيلة الأولية، للانفجار الذي وقع على طريق راجو قرب سوق في مدينة عفرين – شمال غرب حلب بلغ ٢٢ قتيلاً و٢٤ مصاباً، وما تزال الأرقام مرشحة للزيادة.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع التركية، إن ما لا يقل عن ٣٥ مدنياً لقوا حتفهم في هجوم بقنبلة في عفرين بشمال سوريا.
وأشار المرصد إلى أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها فصائل موالية لتركيا، وأن من بين القتلى ٦ عناصر من أعضاء تلك الفصائل.
ونقل المرصد السوري عن مصادر قولها إن معظم القتلى قضوا جراء إصابتهم بحروق من النيران التي اندلعت عقب انفجار الصهريج المفخخ، حيث أن غالبية الجثث متفحمة.
يذكر أن عبوة ناسفة انفجرت سابقاً على طريق “ترندة” بمدينة عفرين، ما أدى لأضرار مادية، ولا معلومات عن خسائر بشرية إلى الآن.
المصدر: وكالات

١٢٠ سجيناً أصيبوا بكورونا في أربعة سجون تركية

١٢٠ سجيناً أصيبوا بكورونا في أربعة سجون تركية

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

قال وزير العدل التركي عبد الحميد جول اليوم الثلاثاء ٢٨ نيسان/أبريل، إن ١٢٠ سجينا في أربعة سجون أصيبوا بفيروس كورونا، مضيفا أنه ليس ضمن المصابين حالات حرجة.
وقال في مؤتمر صحافي متلفز “جميع السجناء المصابين يتلقون العلاج في المستشفى. لا يوجد سجين في وحدة العناية المركزة، جميعهم بصحة جيدة”.
ولم يفصح الوزير عن مكان السجون، حسبما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.
وكان جول قد أعلن في ١٣ نيسان/أبريل الماضي تسجيل ١٧ حالة إصابة بفيروس كورونا في السجون التركية، وقال إن ثلاثة منهم توفوا بالفيروس.
وكانت تركيا قد بدأت مطلع هذا الشهر بالإفراج عن نحو ٩٠ ألف سجين ضمن عفو جماعي في محاولة للحد من ازدحام السجون ووقف تفشي فيروس كورونا فيها.
المصدر: الشرق الأوسط

العراق نطَقَها… ولبنان الإيراني يغص بها

فـــؤاد مطـــر

مصادفة مدعاة للتأمل، ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه الرئيس الجزائري يعزل رئيس جهاز المخابرات ويتم إيداعه السجن تمهيداً لمحاكمته بعد ما كان، بطبيعة الحال لمن يتسلم هذا المنصب أحد أبرز مراكز القوى، يواصل مصطفى الكاظمي (رئيس جهاز المخابرات في العراق حتى يوم تسميته من جانب رئيس الجمهورية برهم صالح مرشح التوافق عليه لتشكيل الحكومة) سعيه لإنجاز المهمة، وبالتالي استيلاد الحكومة التي تعسَّر أمر اختيار الشخص الذي في استطاعته أن يكون رئيس حكومة للعراق وليس رئيس حكومة في العراق تتقاذفها رياح الولاءات للنظام الإيراني وبالذات للحرس الثوري في هذا النظام الذي كانت دائماً قبضة جنراله الأقوى قاسم سليماني ضاغطة عند التشاور حول مَن يترأس حكومة العراق ثم أكثر ضغطاً بعد الترؤس.

أن ينتهي أمر رئيس جهاز مخابرات معزولاً ثم مسجوناً وقيد المحاكمة ليس حالة جديدة في العالم العربي. ولنا على سبيل المثال لا الحصر ما جرى لرئيس المخابرات المصرية في عهد الرئيس أنور السادات. لكن الحالة المستحدَثة هي أن يقع الاختيار على رئيس جهاز المخابرات بعد التوافق لكي ينهي النظام به أزمة تشكيل حكومة على نحو ما حدث في العراق. والتوافق الذي حدث كان توافُق الاضطرار بعد طول استنزاف للصبر والمماحكات التي لا جدوى منها والتي كان مشهدها أشبه بحرائق مشتعلة فيما مياه النهر تتدفق بجوارها ولا مَن يطفئ النار. فهنالك انتفاضة. وهنالك «جيوش» صغيرة تتناسل وتأخذ من وهج الجيش الوطني ذي التاريخ العريق. وهنالك إرادة قرار مصادرة وتفريس متدرج للسياسة العامة. وما هو أهم من ذلك أن صيحات الثأر لا تهدأ وينادي مطلقوها ضد أميركا بخروجها وتناسي أن الأميركان في شخص بوش الأب ثم في شخص ابنه كانوا بسياستهم وحربهم هم الذين صادروا القدرة الوطنية العراقية على تغيير نظام البعث إسقاطاً وإحلال من ارتأوا إحلالهم مكانه.

وعند الحديث عن الصبر، فإن سعة صدر الرئيس برهم صالح وإدارته لأزمة التكليف مثَّلت دفعاً للاقتناع ولو بعد طول أخْذ وكثرة اشتراطات عصية على القبول بأن لا حل للعراق كوطن، وليس فقط لا حل لأزمة تشكيل حكومة جديدة، إلاّ في طي صفحة الإملاءات الخارجية. وعندما تُطوى هذه الصفحة تصبح مبادئ التشكيل هي مفتاح باب العراق المرصود أمام علاقة عربية متوازنة وعلاقة دولية متزنة. وعندما ارتأى الرئيس برهم صالح بمغادرته بغداد إلى السليمانية آخر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، فلكي يسجل نقطة نظام ورفضاً قاطعاً لإصرار المشترطين على حكومة شبيهة بشجرة مغروسة في أرض العراق فيما أغصانها وثمارها عبْر الشط يجنيها الجار الإيراني ويوظفها بكل أنواع التوظيف العقائدي والمالي والتجاري، إلى جانب أن تكون مثل رصاصة في مسدس يهدَّد بها الآخر، وهو هنا المجتمع الدولي الداعي إلى تغيير النهج الإيراني، بحيث تكون إيران دولة وليست بؤرة ثورية تُوزع الإقلاق في أكثر من مكان وبشكل مكثف على دول الخليج والأشقاء العرب الذين يريدون جواراً إيرانياً خالياً من الأذى والتدخل.

رفْض الرئيس برهم للإملاءات الخارجية من خلال وجوده في السليمانية وبداية ذبول متدرج في القدرة المالية الإيرانية وانعكاس مفاعيل هذا الذبول على الأذرع الإيرانية في الخارج وبالذات في العراق ولبنان واليمن، ثم المفاجأة الكورونية التي أربكت ذوي العناد والمكابرة، أوجبت بالنسبة إلى اللوبي الإيراني في العراق أن يقرأ كتاب الوضع كما تستوجب القراءة الصحيحة وليس كما الهوى. وعلى هذا الأساس استقر رأي أُولي التعطيل التقليديين على أن يؤخذ برؤية رئيس الجمهورية برهم صالح واختياره مصطفى الكاظمي مدير المخابرات لتشكيل حكومة تسترضي كل الأطراف وتلقى الرضا من هذه الأطراف في ظروف اضطرارية عاشها الناس في العراق طوال عشر سنين عجاف. وبدا اختيار التوافق على مصطفى الكاظمي للترؤس، رغم أن عدنان الزرفي كان هو الآخر من أصحاب الرؤية الواقعية لوضع الوطن على أُولى محطات انطلاق قطار تصحيح مواقف أعاقت العراق سمعة وطمأنينة، أشبه باختيار الرئيس دونالد ترمب يوم 13 مارس(آذار) 2018 مايك بومبيو مدير وكالة المخابرات المركزية وزيراً للمنصب الثاني الأهم في الدولة الأميركية. كما أنه أشبه باختيار الرئيس رونالد ريغان، رئيس المخابرات المركزية زمنذاك جورج بوش الأب لمنصب نائب الرئيس.

المتوقَّع للعراق لمجرد انحسار المخاطر الكورونية والخطر الداعشي المتجدد حَراكه، هو أن يكون العراق المأمول دوراً ونهوضاً ما دام من سيشكِّل الحكومة حدَّد ومن دون التحسب لهذا أو ذاك أو أولئك يسجلون الاعتراض على تكليفه، خريطة طريقه التي لخص معالمها بما قل ودل من التعهدات على النحو الآتي: «السيادة خط أحمر ولا يمكن التنازل عن كرامة العراق. العراق للعراقيين وقرار العراق بيد أبنائه. سنعمل على حصْر السلاح بيد الدولة، فالسلاح ليس من اختصاص الأفراد ولا المجموعات. سيادتنا الوطنية أولاً ويجب أن تقوم علاقاتنا الخارجية على الاحترام والتوازن. العراق ليس تابعاً لأحد. الدولة ليست حزباً ولا طائفة ولا ديناً بعيْنه وعلينا أن نثق بها. لن نسمح بإهانة أي عراقي من أي جهة داخلية أو خارجية عبْر اتهامه للخارج. إعادة النازحين إلى ديارهم هدف لن أتخلى عنه».

معنى هذه التعهدات أن من مصلحة النظام الإيراني التعامل مع العراق بعد الآن وفق هذه الخطوط – المبادئ التي مِن شأن الأخذ بها استعادة العراق رقماً يُحسب له حساب يرتاح له الجار العربي ويخفف الجار الإيراني من أثقاله عليه. وشيئاً فشيئاً يستعيد العراق شأنه كثاني دولة نفطية، لا يتعثر في تأمين متطلبات الشعب ويحقق مطالب المنتفضين ويسدد ما تبقَّى عليه من ديون… وينتقل بالتالي من دولة مهمومة إلى دولة تستعيد مكانتها في خريطة المنطقة. وهذا وارد الإنجاز ما دام تنفيذ خريطة الطريق سيبدأ.

ما فعله الثنائي برهم صالح – مصطفى الكاظمي أمثولة لمن يريدون صدقاً صون وطنهم وكرامته واستقراره وإبقاءه في منأى عن الغلو الثوري وإبراء الكيان الذي أمعنوا فيه بعثرة ووضْعه من جديد في المكانة التي يستحقها.

والأمثولة برسم الثنائي اللبناني رئيس الجمهورية ميشال عون الذي نتمنى أن يكون مثل برهم صالح، وحسن نصر الله الذي نتمنى ألا يغص فيما نطقه مصطفى الكاظمي… مع الأخذ في الاعتبار أن لبنان أكثر حاجة إلى استنساخ الأمثولة الكاظمية من العراق نفسه. كما هي برسْم ما تبقَّى من مهابة الرئيس بشَّار الأسد الذي إذا نطق بما نطقه الكاظمي فإن سوريا تعود سوريا العربية وقد تجردت من ثوبها الإيراني – الروسي الذي أرخى أقتم الظلال على تاريخها الوطني. والله الهادي إلى سواء السبيل.

الشرق الأوسط

“التحالف الدولي”: “سانا” تستحق جميع جوائز الكذب

“التحالف الدولي”: “سانا” تستحق جميع جوائز الكذب

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

كذّب التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، الأنباء التي نشرتها وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، حول مقتل جنود من التحالف في دير الزور.
ونشرت “سانا” يوم أمس الاثنين ٢٧ نيسان/أبريل، خبرًا يتحدث عن تعرض جنديين من قوات القوات الأمريكية لهجوم بريف دير الزور الشرقي، في أثناء توجههما إلى قاعدة حقل “العمر” النفطي.
وقالت الوكالة إن الجنديين كانا يستقلان عربة “همر” حين تعرضا لهجوم من قبل مجهولين، مضيفة أن العربة احترقت، ومصير الجنديين مجهول.
ونفى المتحدث باسم التحالف، الكولونيل مايلز كاغينز، عبر حسابه في “تويتر”، خبر وكالة “سانا”، مؤكدا أن مقاتلي التحالف الدولي في دير الزور لم يتعرضوا لأذى يوم الاثنين.
واعتبر كاغينز أن “سانا” تستحق أن تحظى بجميع جوائز الكذب، نتيجة لأخبارها الزائفة، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات

نداء الزيتون على مشارف ذكرى البيان الذي اشتهر ببيان الحليب

نداء الزيتون على مشارف ذكرى البيان الذي اشتهر ببيان الحليب

ريما فليحان*

كتب أحدهم على صفحته على الفيسبوك مناشداً، وقام بالإشارة لي مطالباً بأن أكتب بيان الزيتون لعفرين، كما كتبت يوماً بيان درعا الشهير “بيان الحليب” في بداية الثورة، يقول ما كتبه على صفحته إنّ “المثقفين غضّوا النظر عما يحصل في عفرين”، ويريد موقفاً من الفنانين والمثقفين كما حصل في بيان درعا.
هذا الشخص وضع صوراً لأشخاص استشهدوا من أهالي عفرين نتيجة اعتداءات فصائل المرتزقة في المنطقة وفقاً لما نشره. فكرت ملياً في هذا المنشور وهذه الإشارة لي على صفحته، مع أنّه ليس من أصدقائي على الصفحة، لكن قد شعرت بألم عميق استرجعته الذكرى وما يمر ّبه أهالي عفرين وكل المناطق في سوريا.
وبالعودة لبيان درعا، كان هذا البيان صفعة قويّة للنظام لأنه تسبب بإحراجه، ولأنّ الموقّعين كانوا من مختلف الشرائح السورية وعلى رأسهم مثقفين وفنانين.
بعد هذا البيان تعرضنا لحملة من التشويه والترهيب والأذى تسبب لي برضوض نفسية لا يمكن لي أن أنساها ما حييت، كما تسبّبت باعتقالات وطرد من العمل لكثيرين ممن وقعوا واعتداءات وصلت حتى الضرب أحياناً لبعض الشخصيات الموقّعه، كان ذلك في مرحلة السلمية وحين كان النظام يتوقّع الصمت من تلك الشريحة أو التطبيل والتزمير له وهو ما تسبب له بتلك الصفعة ومن أجل هذا قام بتلك الأفعال الهوجاء كردّ فعل على البيان، البيان كتب في مثل هذه الأيام بشهر أيار من عام ٢٠١١.
ولكن هل تصلح البيانات اليوم لإحداث أيّ ردّ فعل إيجابي أو ألم لدى النظام أو فصائل المرتزقة، أو أي من الجهات المسلحة بكل تنوعاتها، والتي ارتكبت كل أنواع الانتهاكات لحقوق الانسان في سوريا، وهل هناك أي شيء اليوم يحرج أي أحد من منتهكي حقوق الإنسان في سوريا سواء كان النظام أو الفصائل المسلّحة بكل انتماءاتها دون استثناء؟.
هل تلك المقاربة صحيحة فعلاً؟، بداية وللتوضيح موقفي كما موقف معظم الذين أعرفهم أو أتابعهم من المثقفين والناشطين والشخصيات السياسية والسوريين، عموماً كان واضحاً منذ بدأت الاعتداءات على عفرين بناسها، وزيتونها، وبيوتها، وبكل حبة تراب منها، وهو ضدّ كل تلك الانتهاكات التي تعرّض لها أهلنا المدنيين في عفرين، وأصوات النشاز لا تعبّر عن رأي كل السوريين، وهو يماثل الموقف من كل الانتهاكات التي ارتكبت في كل شبر من سوريا من أي طرف كان، فاصطفافي كما الكثير مع الانسان والمدنيين قبل أي شيء آخر. كم من البيانات كتبنا أو وقّعنا في السنوات الماضية تلك، وكم تعرّضنا للهجوم والتشهير نحن وكل من قرر الوقوف إلى جانب الضحايا كل الضحايا بغضّ النظر عن انتمائهم، وعلى أساس المواطنة، والحقوق والحريات، بنفس الطريقة التي تناولنا بها النظام في حادثة بيان من أجل أطفال درعا؟.
هل الواقع السوري اليوم يتأثّر فعلاً بتلك البيانات أم أنّ الحالة السورية برمّتها باتت تقاد بإرادات إقليميّة ودوليّة وأيديولوجيات متعددة والسوريين في الحالة السورية ضحايا ومشاهدين فقط؟، ولم يعد فعلياً لأصواتنا أيّ صدى وهو ما يخنق، ومع هذا فلن نصمت وسنعبّر عن مواقفنا الواضحة ضدّ كل تلك الجرائم والانتهاكات.
هل نوفي عفرين حقها ببيان؟، علماً أنّنا، تلك الشريحة التي تطالبها بإصدار بيان، وقّعنا على عدّة بيانات تتعلّق بعفرين وبكل المناطق السورية المنكوبة بالحرب والدمار والتشريد والتهجير؟، وسأجيب بالتأكيد لا لن نوفيها حقها، كما لن نوفي حلب، إدلب، حمص، ماذا عن المعتقلين؟، الشهداء تحت التعذيب؟، النساء الثكلى؟، المختطفين والمختطفات؟، الأطفال الضحايا خارج منظومة التعليم والرعاية الصحية؟، أو الذين يتم غسيل أدمغتهم أيديولوجياً ليفقدوا أرواحهم، أو يتمّ زجّهم في القتال بأشكال متعددة؟ ماذا عن الفقد والحنين لأوطاننا؟، ماذا عن ضحايا الإتجار بملف اللجوء وغرق الساعين إلى الحياة بالبحار؟، هل البيانات ستكفي لتنصف كل هؤلاء؟، وهل ستشعرنا بأنّنا قمنا بأي إنجاز ينصف الضحايا بكل تلك البيانات التي أصدرناها؟.
نحن مكلومون يا أخي بالوطن، نتشارك الغصّة والألم كما زيتون عفرين وإدلب، وعنب داريا والسويداء، وقمح حوران، وليمون الساحل، وفرات الجزيرة، وبردى، والسهل والجبل والغوطة، وحارات الشام العتيقة وحلب الشهباء، حبات التراب في كل سوريا تبكينا وتبكي سوريا، وقد غطّت الدماء والأنقاض كل شيء ورحلت الأجساد وتشرّدت في كل المعمورة، بينما بقيت أروحنا معلّقة هناك في وطن غادرناه وما زال يحتلّنا. في سوريا تبكي أحجار الدار التي فارقها ساكنوها واحتلها الأغراب، ونتشارك نحن المشرّدون لحظة الاستيقاظ هلعاً والذكريات والمخاوف تلاحقنا حتّى في الأحلام.
ولن يأكلنا اليأس أو تصمتنا الخيبة وسنصرخ معاً من أجل الإنسان في كل الأوقات، ولعلي سأوجّه نداء جديداً  لكل العالم هذه المرة، يتلخّص بجملة واحدة، أوقفوا القتل في سوريا نريد وطنناً يتّسع لكل السوريين نعيش به بكرامتنا وحريتنا دون استبداد، وسأسمي هذا النداء نداء الزيتون لأنّ الزيتون كان وما زال رمزاً للسلام.
المصدر: ليفانت

  • كاتبة سورية