والد أيقونة اللاجئين السوريين “آلان” يكرس حياته لمساعدة الأطفال
متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان
“بعد غرق أولادي قررت العمل بالمجال الإنساني لمساعدة جميع الأطفال المحتاجين حتى لا تتكرر المأساة مع غيري” بهذه الكلمات بدأ “عبد الله الكردي” من مواطني كرد سوريا ووالد الطفل الغريق “آلان” الذي هزت صورته عام ٢٠١٥ العالم وأصبح فيما بعد ايقونة للاجئين السوريين.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يعمل “الكردي” جاهدا على تأسيس جمعية خيرية باسم (“آلان وغالب كردي” على اسمي ابنيه الغريقين) بمساعدة شقيقته المقيمة في كندا لمساعدة الأطفال وخاصة في مخيمات النازحين واللاجئين.
وخصص “الكردي” إحدى غرف منزله بمدينة “هولير/أربيل” عاصمة إقليم كردستان شمالي العراق كمكتب لإدارة المنظمة الخيرية.
عندما زرناه في بيته وجدنا كميات من ملابس الأولاد والبنات وحقائب دراسية في الصالة الداخلية للمنزل كونه يستعد لتوزيعها على طلبة المدارس في مخيمات النازحين بإقليم كردستان العراق فقد اعتاد بالذكرى السنوية لغرق عائلته المكونة من طفلين وزوجته بتوزيع الملابس على طلبة المدارس.
ويضع “الكردي” في منزله صورا لأطفاله وزوجته ولوحة زيتية رسمها أحد الفنانين بإقليم كردستان لابنه “آلان” وهو ملقى على الشاطئ، ويؤكد أنه يطيل النظر في الصور يوميا كون الحادثة لا تفارقه أبدا.
وكانت صورة جثة الطفل “آلان” البالغ من العمر نحو ثلاث سنوات، التي جرفتها المياه إلى أحد الشواطئ التركية قد أثارت موجة تعاطف وغضب بسبب ما اعتبر تقصيرا من الدول الغربية بعدم مساعدة آلاف اللاجئين السوريين الذين يفرون من بلادهم نتيجة الحرب بقوارب لا تتوفر فيها أبسط شروط السلامة والأمان للوصول إلى أوروبا.
وتنحدر أصول “الكردي” من بلدة “كوباني/عين العرب” وكان يعمل بمهنة الحلاقة في حي ركن الدين بدمشق لكنه اضطر لمغادرتها عام ٢٠١٣ والتوجه إلى بلدته الأصلية بسبب الحرب والإرهاب الذي انتشر في سوريا وبعد نحو ستة أشهر ترك عائلته وتوجه إلى تركيا للعمل لتوفير لقمة العيش لعائلته.
وبعد الهجوم الذي شنه تنظيم “داعش” الإرهابي على بلدة “كوباني” لحقت به عائلته إلى تركيا ومنها بدأ يفكر بالهجرة بحثا عن مستقبل لأطفاله لكن حصلت المأساة وفقد زوجته وطفليه في عام ٢٠١٥.
وقال الكردي لوكالة أنباء (شينخوا) بنبرة صوت تدل على الفاجعة خطتي للمستقبل أن أقوم بمساعدة الأطفال حتى أموت، لآني لا أريد أن أرى أي طفل في حاجة .
وأضاف بعد تنهيدة طويلة وحسرة أنني إذا رأيت أي طفل في حاجة سوف أساعده بشتى الوسائل حتى لو أطلب من الناس أو أتوسل اليهم من أجل مساعدة الأطفال.
ويلوم “الكردي” نفسه ويحملها مسؤولية ما جرى لعائلته قائلا “لو أعرف انه سيحصل لأولادي ما حصل لن أقدم على الهجرة”، ثم يسكت للحظات ويواصل حديثه “لكن لو بقينا في سوريا كنا قتلنا، ولأخذ التنظيم الإرهابي زوجتي سبية، كنت أفكر بالخلاص من الإرهاب وأن أضمن مستقبل لأطفالي حتى يعيشوا بسلام”.
ولدى سؤاله عن كيفية غرق عائلته ذكر أنه لا يتحمل أن يروي القصة لأنها تجدد الألم والحزن لديه وفعلا عندما بدأ بسرد القصة أجهش بالبكاء.
وقال بعد دقائق كانت الساعة الثانية ليلا في فصل الصيف عندما تم نقلنا بثلاث سيارات من مدينة بودرون التركية إلى قرى بحرية بأطرافها إلى منطقة التجمع وأخبرونا بأننا سنغادر على يخت لكن تفاجئنا بقارب صغير، رفضت في البداية لكن كان هناك بعض مسلحون عند وصولنا لهذه النقطة أما أن تغادر أو تقتل.
وأضاف “اضطررت للصعود في القارب وكان معنا من ضمن الركاب شخص عاجز ومصاب بالشلل ولا يستطيع المشي، لكنه نجا من الموت بقدرة الله، وبعد أن صعدنا في القارب وسار بنا لمدة أربع دقائق جاءتنا موجة عالية أدت إلى انقلاب القارب، وزوجتي لم تكن تعرف السباحة فطلبت منها أن تترك الأطفال لي كوني أعرف السباحة ولكن من لهفتها عليهم مسكتهم وغرقت وغرق الأطفال معها”.
ويحمل “الكردي” ما جرى في بلاده والذي تسبب بنزوح مئات الآلاف أو الملايين من السوريين إلى التدخل الأجنبي والغربي وتزويد الجماعات المسلحة بالسلاح قائلا “أنا ألوم كل من يورد السلاح للإرهابيين، أنا لا أفهم بالسياسة لكن ما أفهمه أن الذي ساعد على توريد السلاح للإرهابيين لقتل الناس هو من يتحمل المسؤولية”.
وبعد أن دفن أولاده وزوجته في بلدته الأصلية بـ ٢٠ يوما حيث كان يخطط للعيش بالقرب منهم تلقى دعوة من إقليم كردستان واستجاب لها وهو يعيش حاليا في أربيل برعاية حكومة إقليم كردستان التي وفرت له السكن وراتب للمعاش.
ويعيش “الكردي” حاليا مع زوجته الجديدة بعد أن أقنعته شقيقته بالزواج لكي ينسى الماضي، حيث رفض في البداية فكرة الزواج ونتيجة لإلحاح شقيقته عليه وإرسالها له صورة لأحدى السيدات فعندما رأى الصورة وجدها تشبه زوجته المتوفية فقرر فورا الارتباط بها وفعلا تزوج ورزق بطفل أسماه “آلان” على نفس اسم ابنه الذي غرق في بحر إيجة بتركيا.
وتمثل مأساة “الكردي” نموذجا لمعاناة النازحين واللاجئين السوريين الذين دمرت بلادهم الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية وحولت سوريا من بلد يعيش بأمن وسلام ومودة بين أبناء شعبه، إلى ساحة حرب تفوح منها رائحة الموت التي أحرقت الأخضر واليابس.
ويحلم “الكردي” بمساعدة الأطفال الفقراء حتى لا تتكرر مأساة أطفاله قائلا “لا أريد أن تحصل نفس المأساة التي حصلت لأولادي، ولا أريد أن أرى أطفالا غيرهم بحاجة، لذلك سأبقى أساعد الأطفال حتى أموت”.
المصدر: وكالة “شينخوا” الصينية للأنباء