التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي في سوريا ما بعد الإرهاب “الداعشي”

الأربعاء،6 آذار(مارس)،2019

مركز “عدل” لحقوق الإنسان

يجسد التعايش السلمي في مختلف جوانبه، مفهوم الانسجام بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية..، وكذلك اتجاهاتهم وأفكارهم، حيث أن ما يجمع هؤلاء هو وجود أواصر عديدة ومشتركة، مثل: الأرض والمصالح والمصير المشترك..، والتي من خلال تفعيلها وتغليبها على الاختلافات الأخرى، نصل إلى بناء منظومة اجتماعية قائمة على التزام كافة أطراف المجتمع وفئاته المختلفة بمبادئ الاحترام المتبادل لحرية الرأي والسلوك والتفكير بعيدا عن التهميش والإقصاء والتسلط والعنف…، ما ينعكس إيجاباً على التماسك الاجتماعي وتوطيد السلم الأهلي الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يعيش حياته ويمارس أعماله بحرية، وأيضاً يحصل على حقوقه الكاملة ومتطلبات عيشه بيسر وسهولة من دون أن يخشى الاعتداء على حقه وماله وأمنه.

وقد اتسم المجتمع السوري عموماً ومناطق “شمال شرق الفرات” خصوصاً، رغم تنوع النسيج القومي والديني والاجتماعي والمذهبي…، بحالة من التعايش السلمي- باستثناء حالات قليلة كان فيها للسلطة دورا في ضرب التعايش- نتيجة أسباب وعوامل تاريخية واجتماعية وثقافية عدة أبرزها: التراث الحضاري المشترك للحضارات القديمة التي قامت على مبادئ فكرية واجتماعية وقانونية وحدتهم ومنعت تمزيق التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين أبناء المجتمع.

إن هذا التماسك المجتمعي والتعايش الذي تحدثنا عنه، ساعد على عدم ظهور أزمات حادة بين مكونات المجتمع السوري بحيث تصل إلى مرحلة الصدام المسلح، حتى بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وسيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومنها تنظيم “داعش” الإرهابي على مساحات واسعة من الأراضي السورية، خاصة في مناطق “شمال شرق البلاد”، حيث تعرض التعايش السلمي والسلم الأهلي إلى خطر كبير، بسبب تغذية هذه المناطق بالعنف والتطرف بكافة الوسائل المادية والإعلامية، وتسليم مقاليد السلطة إلى مجموعة من المتطرفين الذين لا يعيرون أهمية للحوار والتواصل وتقبل الرأي الأخر، ومنطقهم الوحيد هو: القتل والإرهاب والتدمير وأحادية الرأي..، مما جعل فئات ومكونات مختلفة ترفضهم وتعمل على التخلص منهم من اجل إعادة السلام والاستقرار للمجتمع الذي واجه تحديات صعبة حاولت ضرب تماسكه وتعايشه وسلمه الأهلي خلال السنوات الماضية.

إن عملية رأب الصدع بين مختلف مكونات المجتمع في مرحلة ما بعد “داعش” من اجل تعزيز التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي الذي يفضي بدوره إلى توطيد السلم الأهلي والمجتمعي من اجل إيجاد إطار عام وأساس متماسك لإعادة هيكلة المجتمع وبنائه من جديد، ليس بالعمل السهل أبداً، نتيجة الآثار السلبية المتولدة عن قيام هذا التنظيم الإرهابي بارتكاب العديد من الأعمال الإجرامية التي ولدت مقتا لهم وخوفا منهم من قبل المجتمعات المحلية التي كانت خاضعة لسلطتهم، وفقدان سبل العيش بعد الخراب الذي طال مدنهم ونزوح سكانها..، وما يخلفه ذلك على المدى الطويل من آثار مدمرة على المستويين الاجتماعي والنفسي .

إن ابرز ما يتطلبه تحقيق التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي وتثبيت أركان السلم الأهلي هو: ضرورة حث النظام والسلطات المحلية في هذه المناطق على العمل بكل الوسائل والإمكانيات لترتيب بيته الداخلي بعدالة ودون تمييز وانحياز وبالسرعة التي تتناسب مع حجم المحن التي تواجهها هذه المجتمعات، واتخاذ إجراءات واضحة لتحديد كافة الأطراف المعنية في المجتمع دون استثناء ومهما كان حجمها وإشراكها في عملية مصالحة حقيقية تضمن تعايشا فعليا، وإشراك المرأة في عملية صنع السلام ومنحها دورا فعالا، وضرورة تجاوز القيادات السياسية والعسكرية والمدنية مصالحها الخاصة ومنح الأولوية للتفكير بالمصلحة العامة للشعب والبلد، وإيجاد بيئة سياسية ملائمة تسعى لاحتضان كافة الأفكار البناءة والمشاريع الممهدة لبناء الوطن وفق أسلوب فعال تجنبا لاندلاع النزاعات المحلية مجددا، وإيجاد مؤسسات سياسية تقتصر مهمتها على إشاعة ثقافة التعايش السلمي، والعمل على بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري وتعزيز هويته الوطنية، والإدارة السلمية للتعددية المجتمعية والتي تحفظ للجماعات المتنوعة داخل المجتمع السوري العيش بسلام على ارض الوطن والتعبير عن تنوعها وممارسة حقوقها في أجواء من الحرية والاحترام المتبادل، والاحتكام إلى القانون في حل الخلافات الداخلية والذي يعد أهم مؤشرات استقرار السلم الأهلي، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المشاركة في الثروة والحصول على نصيب عادل من الخدمات العامة، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والتي تعمل على تنمية روح التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية المختلفة، وممارسة دور رقابي على عمل الأجهزة الحاكمة والمسيطرة.