هيومن رايتس”: السوريون الفارون من العنف بلبنان يواجهون الاعتقال في بلادهم

الأربعاء،30 تشرين الأول(أكتوبر)،2024

“هيومن رايتس”: السوريون الفارون من العنف بلبنان يواجهون الاعتقال في بلادهم

متابعة مركز عدل لحقوق الإنسان

أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم الأربعاء ٣٠ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٤، أن “السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون أخطار القمع والاضطهاد على يد الحكومة السورية عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري والتعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز”، إذ سجلت حركة نزوح عكسية للسوريين إلى بلادهم تحت وطأة الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة ضد لبنان منذ أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، قدر عددهم بمئات الآلاف.
وقتلت الغارات الإسرائيلية على لبنان نحو ٢٧١٠ أشخاص، ٢٠٧ في الأقل منهم سوريون، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وتابع تقرير “هيومن رايتس” أن “السوريين الفارين من لبنان، وخصوصاً الرجال، يواجهون خطر الاعتقال التعسفي والانتهاكات على يد السلطات السورية”. ووثقت “هيومن رايتس ووتش” أربعة اعتقالات بحق أشخاص عائدين خلال هذه الفترة، بينما أفادت مجموعات أخرى، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عن عشرات حالات الاعتقال الإضافية. وأضافت أن “سوريين توفيا خلال العام الحالي في ظروف مريبة، كانا رحلا من لبنان وتركيا إلى سوريا عام ٢٠٢٣ واحتجزتهما الحكومة السورية منذ حينها، بينما لا يزال اثنان آخران اعتقلا في لبنان مخفيين قسراً منذ تسليمهما إلى السلطات السورية في كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو الماضيين”.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة منطقة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، إن “السوريين الفارين من العنف في لبنان يجبرون على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. وتسلط الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم، الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.
وتابع التقرير أن “الحكومة السورية والجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من سوريا تستمر في منع المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية من الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع المناطق، بما يشمل مواقع الاحتجاز، مما يعوق جهود التوثيق ويحجب الحجم الحقيقي للانتهاكات”.
كما أفاد “الهلال الأحمر السوري” أنه بين ٢٤ أيلول/سبتمبر و٢٢ تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لجأ نحو ٤٤٠ ألف شخص، ٧١٪؜ منهم سوريون و٢٩٪؜ لبنانيون، إلى سوريا هرباً من لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية. ويعتقد أن آخرين عبروا بصورة غير رسمية. وتقود “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” و”الهلال الأحمر السوري” جهود الطوارئ الإنسانية على الحدود وفي المجتمعات المستضيفة. وأبقت سوريا حتى الآن حدودها مفتوحة وخففت إجراءات الهجرة. من بين الواصلين، توجه نحو ٥٠،٧٧٩ نازحاً إلى شمال شرقي سوريا بحلول ٢٤ تشرين الأول/أكتوبر.
وأجرت “هيومن رايتس ووتش” مقابلات مع ثلاثة سوريين في لبنان وثمانية من مواطنيهم عادوا إلى سوريا، وكذلك أقارب خمسة رجال اعتقلتهم السلطات السورية بعد عودتهم من لبنان في أكتوبر.
ومن الاعتقالات الخمسة الأخيرة التي وثقتها “هيومن رايتس ووتش” في تشرين الأول/أكتوبر، وقع اعتقالان عند معبر الدبوسية الحدودي بين شمال لبنان وحمص، كما اعتقل شخصان عند حاجز بين حلب وإدلب. وقال أقارب هؤلاء إن جهاز “الاستخبارات العسكرية” السوري هو من نفذ جميع الاعتقالات، من دون تقديم أي معلومات إلى العائلات حول الأسباب أو مكان احتجاز المعتقلين.
ونقلت المنظمة عن إحدى العائدات إلى سوريا مع زوجها، وهو جندي سوري سابق، وأربعة أطفال في تشرين الأول/أكتوبر، إن زوجها البالغ من العمر ٣٣ سنة كان يعيش في لبنان لمدة ١٣ سنة وعندما اشتد القصف الإسرائيلي في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، تلقوا تحذيراً بالإخلاء، وفروا بلا شيء، وعاشوا في الشارع لمدة ١٠ أيام قبل تأمين الأموال للسفر إلى سوريا. وعلى رغم عدم تسجيل زوجها للخدمة العسكرية الاحتياطية، كانوا يعتقدون أن العفو الذي أصدرته الحكومة السورية أخيراً، والذي شمل التهرب من الخدمة العسكرية، سيحميه. وأضاف التقرير أنه في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، دخلت العائلة إلى سوريا عبر معبر الدبوسية الحدودي في حمص، إذ اعتقلت الاستخبارات العسكرية السورية الزوج فوراً. وروت، “قالوا لي: ‘امض في طريقك. سيبقى هو معنا'”. وانتظرت الزوجة خمس ساعات، متوسلة للحصول على معلومات من دون جدوى، وتعيش حالياً، بحسب التقرير، في مكان مكتظ مع عائلتها في سوريا، من دون أي فكرة عن مكان زوجها بينما تعاني لإعالة أطفالها. وقالت، “أتمنى لو بقينا تحت الصواريخ بدل تعرضنا لهذا”، مضيفة أن أملها الوحيد هو إطلاق سراح زوجها.
ولفتت “هيومن رايتس” إلى “تقارير تشير إلى أن ملاجئ عدة في لبنان تمنح الأولوية للنازحين اللبنانيين والفلسطينيين مع منع دخول السوريين إليها، وأن بعض أصحاب المساكن طردوا مستأجريهم السوريين لإفساح المجال أمام النازحين اللبنانيين”. وأضافت أنه “حتى قبل الهجوم الإسرائيلي، عاش السوريون في لبنان في بيئة قسرية، مصممة لإجبارهم على التفكير في العودة إلى سوريا. وواجهوا ظروفاً قاسية، وتصاعد العداء للأجانب، والترحيل”.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن “بعض القادة الأوروبيين يزعم بصورة متزايدة أن سوريا آمنة للعودة، مما يحفز سياسات قد تلغي الحماية الممنوحة للاجئين رغم استمرار المخاوف الأمنية والحقوقية”. وقالت، إنه “في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فوراً أي عمليات عودة قسرية أو من دون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة”.
وتابعت أنه “ينبغي لمفوضية اللاجئين البقاء على موقفها المنشور في آذار/مارس ٢٠٢١ والمتمثل في أن سوريا غير آمنة للعودة وأنها لن تشجع العودة أو تسهلها حتى يتم ضمان الظروف الآمنة والكريمة. وإضافة إلى ذلك، انطلاقاً من إطارها التشغيلي الإقليمي لعام ٢٠١٩ لعودة اللاجئين إلى سوريا، ينبغي لها الدفع بصورة عاجلة من أجل إنشاء آلية مستقلة وفعالة للحماية والرصد في سوريا تتمكن من خلالها المنظمات الإنسانية من رصد الانتهاكات الحقوقية بحق العائدين والإبلاغ عنها”.
قال نائب مديرة منطقة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، آدم كوغل إن “سوريا ليست أكثر أمناً للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن الأخطار المتصاعدة في لبنان تجعل عديداً من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه. عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمناً ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه أخطار الاعتقال والانتهاكات والموت”.

المصدر: اندبنديت. عربية