الدستور السوري المرتقب والاقليات الايزيديون مثالا

الثلاثاء،31 تموز(يوليو)،2018

اضحى من حق كل سوري ،ايا كان موقعه وصفته ومستواه الفكري، او اتجاهه السياسي وموقعه الحزبي ،او معتنقه الديني، او انتماؤه القومي سواء اكان متعلما او غير متعلم ،قرويا ام من قاطني المدن ،مقيما في الداخل ام في الخارج ،ان يتساءل عن شكل الدولة السورية القادمة ،وعن نظام الحكم ،وعن الذهنية التي ستدار بها مؤسسات تلك الدولة المرتقبة ،التي عاث من عاث فيها الفوضى والخراب؛ بل الدمار والابادة ،خصوصا وان الحديث عن دستور الدولة السورية القادمة، بات مسموعا بصورة غير خفيضة ،والسؤال هنا ،من الذي سكتب الدستور ،هل السوريون انفسهم ؛بالتوافق فيما بينهم ودونما اكراه او قسر او إلزام ، ام الدول الكبرى ،بخاصة روسية والولايات المتحدة ،ام الدول الاقليمية ؛سواء تلك التي تدعم ماتسمي نفسها بالمعارضة ؛ك السعودية وتركية وقطر وعداها ،ام الدول التي تؤازر النظام ؛وهي في الواقع ايران، ام دول و قوى، اخرى قد تطفو يوما على المشهد بصورة مفاجئة، ان كانت دولية او اقليمية او سورية ،غير معروفة الى الآن ، او مختلطة تشمل كل اصحاب المصالح والمتعاركين ،والسؤال الذي يتصاعد هنا بل يكون مصدر قلق اكبر ،كيف سيتم التعامل مع الاقليات السورية؛ بمعنى، هل سيكون الدستور عقدا اجتماعيا حقيقا، ام عقد شركة محاصصة، يتوازع عبره “الافرقاء” الاسهم والانصبة والحقوق المتمايزة، وفق معايير اعتباطية ومصلحية ،تفتقد الى الموضوعية ،وتتجاوز على نظم وشرائع حقوق الانسان المستقرة دوليا، وتكون تاليا مصدرقلق كبير للاقليات ؛سواء الاثنية ام الدينية منها ،ولعل الايزيديين اكثر الفئات البشرية ،تعرضا للانتهاك والابادة والتجاوز على الحقوق والوجود . وعلى ما قُدِّم ، فالسؤال الاكثر اقلاقا ،كيف ستحافظ هذه الوثيقة المزمع ابتكارها، او استصناعها على الوجود الايزيدي ،وكيف ستندرج الحقوق الايزيدية في التشريع الاساسي المسمى بالدستور ،والتشريعات العادية الاخرى الاقل مرتبة ،وكذلك اللوائح ،خصوصا وان الايزيديين يندرجون كمكون ،في اطار القومية الثانية ،و الديانة الثالثة في سورية ،وهنا فالاسئلة الايزيدية الكبرى حيال سورية المستقبلية، تكشف عن نفسها لجهة: ـ ذهنيةالدولة وثقافةادارتها والنواحي الانسانية : هل تكون سورية القادمة دولة مدنية ام علمانية ام اسلاموية الذهنية والتطلع ام خليطة ،وهل ستبنى سياسات الدولة على اسسس هوياتية قوموية او دينية ،ام وفق معايير العدالة والمساواة والديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان، وبعبارة اوضح؛ هل ستكون سورية دولة مؤسسات حقيقية وجادة، ام دولة طوائف وملل ومكونات وفصائل كبرى ثم ..بناء على ذلك ؛ هل سيعُترَف ب”الايزيدية”ـ ايا كانت ذهنية الحكم فيها ـ كدين حاله حال الاسلام والمسيحية ـ وهل يتحصل ـ من ثم ـ الايزيديون حقوقهم المشروعة ،التي تعزز خصوصيتهم بصورة رسمية؛و من تلك الحقوق على سبيل المثال : تعطيل المدارس والدوائر الرسمية ايام الاعياد ،وخص ابناء الايزيديين ب ساعات درسية، تشمل تاريخهم وثقافتهم وتعاليم دينهم وكل ما يعزز من خصوصيتهم الحضارية والانسانية، وهل يصار الى التعريف بالايزيديين ،في المدارس السورية كواحد من مكونات فسيفساء النسيج السوري المتعدد، ورفع الغبن الذي يلحق بهم نتيجة للنظرة الدونية المتمخضة عن الاستعلاء الديني عنهم، ويعزز وجودهم عبر تمكينهم من ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية والثقافية بحرية ،ودونما تعرض اوتعكير او ممانعة ،وتبسيط اجراءات حصولهم على التراخيص اللازمة، لبناء مراكزهم الثقاقية والاجتماعية ودورعباداتهم ،من دون أدنى وصاية اوعرقلة او تسويف ،وهل تبنى سورية المستقبلية ،على “اسس المواطنة” و”الهوية السورية الشاملة” ،ويُقبَل الايزيديون تاليا في الوظائف العامة وسلك القضاء وادارات الدولة والجيش بلا تمايز او تمييز، ام سيكون للاكمة ما وراءها.

ـ النواحي الدستورية و التشريعية :

فدستوريا تتصاعد اسئلة من نوع : هل يتمكن الايزيدي اذا توفرت لديه المؤهلات والكفاءة ،ان يكون رئيسا للدولة ،وتلغى من ثم تلك المادة التي تشترط الاسلام دينا لرئيس الدولة ،وهل يسن الدستور السوري القادم استحقاقات الايزيديين النيابية والتمثيلية الاخرى ،في المجالس البرلمانية والمحلية والبلديات وسواها من المجالس، وفق” نطام الكوتا”وبصورة تتناسب وعددهم وتوزعهم الجغرافي ما قبل التهجير، اوهل تحيل النصوص الدستورية هذه الاستحقاقات الى قوانين خاصة وفرعية كقانون الانتخاب مثلا . اما تشريعيا و”لوائحيا ” فالقلق الايزيدي يتنامى ويتبلور في : هل تشرع قوانين خاصة بهم، ترعى احوالهم الشخصية من زواج وطلاق وميراث ونسب ونفقة وسواها، بعد استطلاع نخبهم الحقوقية والدينية ،ويصار من ثم الى استحداث محاكم خاصة بهم ؛بصورة يعين قضاتها من حقوقين ومحامين ايزيديين ،والاعتراف بالقرارات الصادرة عن هذه المحاكم ،واعطائها “قوة تنفيذية” تضاهي تماما تلك القرارات الصادرة عن المحاكم الشرعية والكنسية ،لدى دوائر الاحوال المدنية وسواها من هيئات وادارات الدولة ،وهل يمكن حمايتهم تشريعيا ،وبصورة يتم رفع الحيف عنهم ،ويُمكَّنون على ضوء ذلك من تصحيح قيودهم المدنية في سجلات الاحوال المدنية ،بخاصة اولئك الذين دُوّنوا سهوا او قسرا بمعنى اضطروا الى اشهار اسلامهم ،وبعبارة ادق هل يمكن لتشريعات سورية القادمة ،ان تحصن الايزيديين ،وتوفر لهذه الجهة ضمانات تشريعية وواقعية ،بمواجهة تطبيق الردة عليهم ،اوحيال تكفير من يسعى منهم الى تصحيح قيوده المدنية ..ثم هل يتحررالدستور المرتقب ،وكذلك التشريعات واللوائح الادنى مرتبة في الزمن القادم من عقده القوموية ويعالج تاليا قلق الايزيديين المزمن الناجم عن كونهم اكرادا ،ومن تداعيات هذا القلق وصوره المفزعة ،التي برهن عليها الواقع ورسختها النصوص التشريعية واللوائح ك :

أ ـ رهاب “حظر تملك الكردي” الذي تمحور فيما مضى ب فرض اجراءات تعجيزية وتعقيداته وقيود جائرة ،مركبة على سير الدعوى القضائية او المعاملة الادارية ،التي يتقدم بها طالب ناقل الملكية ؛وذلك بتأخير نقل تلك الملكية وتكليف صاحب العلاقة باستحصال موافقات امنية وادارية وعسكرية متأرجحة بين سلطات العاصمة دمشق و السلطات المحلية ،تكاد تكون مستحيلة بل تنتهي في الغالب الاعم بالرفض لاسباب يقال عنها امنية .

ب ـ فوبيا “الاجنبي السوري” او”الجنسية المفقودة” وحالات التجريد الاعتباطي او التعسفي منها . هل يتم اخيرا وليس آخرا قربان هذا القلق الايزيدي بل الكردي عموما بروح اكثر انسانية وحضارية وحقوقية؟. لا يخفى في الواقع ،ان القلق المتعاظم لدى المكونات السورية ،خصوصا تلك الموسومة ب “الصغرى” منها يشتد ويدور حول : هل ترسم تلك الوثيقة السورية العظمى المقبلة ،هويةً وطنية جامعة ،على اسس من الولاء والانتماء الى التراب السورية ، وتحضن بذلك وبمعزل عن اية معطيات اخرى ،اي تحافظ على كل مكونات الفسيفساء السوري ،وتختلق ـ من ههناك ـ بعد كل الذي عم مؤخرا من فوضى وابادة واستهداف ،مبررات جادة للحياة المشتركة في سورية الآتية وتكون بذلك عقدا اجتماعيا حقيقيا وملزما من النواحي الواقعية والحقوقية وتضمن لتلك المكونات بخاصة ذات الحجم العددي الاقل منها ـ والايزيديون هنا مثالا ـ الكرامة والحياة المشرفة وترغِّب المهجّرين كل المهجرين بالعودة من المنافي والمهاجر القسرية هل تنحو هذا المنحى ام لا ..ليراقبْ كل متحرِ منا الواقع والزمن الزاحف الينا وليرَ كيف ستسير الامور.

 

*خاص بموقع مركز “عدل” لحقوق الإنسان