المغتصب إلى السجن… إنجاز للبنانيات أم مساومة على حقوقهن؟

الجمعة،25 آب(أُغسطس)،2017

«يوم زواجنا لبست الفستان الأبيض لمدة خمس دقائق ثمّ بدلته فوراً. دخلنا إلى الغرفة وإنزويت على فرشة، في حين راح هو يلهو بالألعاب الإلكترونية ويأكل الفاكهة كأنني لست موجودة»، تروي إحدى ضحايا الاغتصاب عن يوم زواجها من مغتصبها.

وتضيف مشترطة عدم الكشف عن هويتها: «كنت أرتجف من الخوف وهو كان خائفاً أيضاً وظلّ يعذبّني ثلاثة أيام قبل أن يجامعني. نزفت من الخوف ومن عصبيته المفرطة وإكراهي على ممارسة الجنس معه. ومن يومها بدأت معاناتي الكبرى».

هي قصة مقتضبة من قصص كثيرة عن فتيات اعتدي عليهن من قبل غرباء، فكان «الحل» بمعاقبة الضحية وتزويجها من مغتصبها، بتسهيل من القانون، بدل معاقبته وزجه في السجن.

أمّا اليوم، فلم يعد ذلك ممكناً بعدما أقرّ مجلس النواب إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على أنه «إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بغية الزواج، الإكراه على الجماع بالخداع) والمُعتدى عليها، أُوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم في القضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه». ويقضي اقتراح القانون الذي أُقرّ بعد مطالبات واعتصامات من جمعيات نسائية عدة أبرزها جمعية «أبعاد»، بألا يُعفى المغتصِب من العقوبة حتى في حال زواجه من الضحية، فضلاً عن تشديد العقوبات بحقه.

وكانت لجنة الإدارة والعدل أقرّت في 15 شباط (فبراير) الماضي إلغاء المادة 522 حصراً، من دون المواد المرتبطة بها، خصوصاً في ما يتعلّق بمجامعة القاصر عبر المادة 505 وفضّ البكارة من خلال الإغواء بوعد الزواج من خلال المادة 518، ما أثار اعتراض جمعيات وأبرزها جمعية «كفى عنف واستغلال» النسائية التي اعتبرت أن «مجلس النواب وكالعادة يحاول إلهاءنا بانتصارات جزئية، ولكن في الحقيقة إن المفهوم الذكوري والعشائري لا يزال هو المنتصر الأول».

وأوضحت الجمعية أنه «صحيح ألغي مفعول المادة 522، لكنه لا يزال زال قائماً على المادة 505 المتعلّقة بمجامعة قاصر أتمّت الـ15 من العمر. فمن جامع قاصراً لا يزال يُعفى من العقاب والملاحقة في حال تزوّج منها والأمر عينه ينطبق على المادة 518 المتعلّقة بالإغواء بوعد الزواج».

وتتناول المادتان 505 و518 مجامعة القاصر باعتبارها جرماً يعاقب عليه القانون، غير أن تعديل المادة يضع المرتكب أمام خيارين، إمّا السجن أو الزواج بالضحية في حال كانت تبلغ من العمر بين 15 و18 سنة، مع إضافة وجوب تدخّل مندوبة اجتماعيّة عند الزواج للتأكّد من أن القاصر على ما يرام. وهنا تسأل «كفى»: «إذا كانت مجامعة القاصر تعتبر جرماً في القانون، بأي منطق يعطى المرتكب خيار الزواج من الضحية في مقابل الإفلات من العقاب؟ وما المغزى من وجوب متـــابعة مندوبة اجتماعية العـــلاقة الزوجية إذا افترضنا أنه لم يقع أي أذى، بما أنه عقد زواج صحيح بين الطرفين؟ والأهم أن هذا التعديل يـــعود ويكرّس قوننــــة تزويج القاصرات والقبول به كحل للاعتداءات الجنسية».

وأكّدت «كفى» موقفها «الرافض المساومة على حقوق النساء والفتيات وتكريس تزويج القاصرات مجدّداً في قانون العقوبات اللبناني»، معتبرة أنّ «ما حصل هو خطوة ناقصة تعكس استمرار الاستخفاف بكرامة النساء وتكرّس القبول بتزويج الفتيات والزواج بالإكراه. لذا ينبغي الاستمرار في النضال من أجل إلغاء مفاعيل المادّة 522 بالكامل».

موضوع مختلف

لا تنفي منسّقة البرنامج الاجتماعي في جمعية «أبعاد» راغدة غملوش أن هناك مواد ملحقة بالمادة 522 يجب متابعتها والعمل عليها وتعديلها، لكنها تعترض على «ربط المواد ببعضها ومحاولة التقليل من أهمية الإنجاز الذي تحقّق والتصويب على مواد أخرى متعلّقة بمجامعة القاصر وزواج القاصرات». وتقول: «في حال لم تكن مجامعة القاصر برضاها، فإن ذلك يعدُّ اغتصاباً ويُعاقب عليه، إضافة إلى أن الإيفاء بوعد الزواج يسقط الفعل الجرمي». وتضيف: «مع إلغاء هذه المادة لم يعد هناك إمكانية للتحايل على القانون والإفلات من العقاب لكل مرتكب جريمة عنف جنسي سواء كانت الضحية قاصراً أو لم تكن». وتوضح: «الملاحقة بحقّ من اغتصب قاصراً كانت تتوقّف إذا ما تزوّجها الجاني، أما اليوم فهناك تشدّد في ملاحقة مرتكب هذه الجرائم الجنسيّة ومحاصرته. ويخضع ذلك لتقديرات قاضي أحداث يستند فيها إلى تقارير دورية لمدة ثلاث سنوات صادرة عن مساعدين اجتماعيين».

وتلفت غملوش إلى أنه «حتى وإن ألغيت المواد المتعلّقة بمجامعة القاصر، فما الذي يمنع أهلها من تزويجها بعمر صغير. موضوع الزواج المبكر مختلف تماماً ولحله نحتاج بداية إلى تحديد سن قانوني للزواج للطوائف كلها وإيجاد قانون مدني للأحوال الشخصية، وهو موضوع مختلف تماماً».

توعية اجتماعية

«تغيير القوانين وتعديلها هو جزء من عملية تغيير كاملة، تستلزم العمل على البنى الذهنية والاجتماعية للأفراد، رجالاً ونساء»، وفق ما تؤكّد غملوش، مضيفة أن من صلب عمل «أبعاد» نشر التوعية بالقوانين والتغيير عبر إدخال المفاهيم الجديدة وحضّ السيدات وتوعيتهن على ضرورة التبليغ عن تعرّضهن لحالات عنف جنسي. وتشير إلى أن هناك «11 مركزاً للجمعية على امتداد الأراضي اللبنانية نعمل فيها مع النساء والرجال ومقدّمي الخدمات من ممرضات ومدرّسين وأطباء وقابلات قانونيات ورجال الضابطة العدلية للتوعية على كيفية استخدام هذه القوانين والاستفادة منها والتعرّف إلى آليات الحماية المتبعة في لبنان لكل حادثة من أجل المساعدة على توجيه الضحية في حال لجأت إلينا».

وارتفعت أخيراً حالات العنف الجنسي على الأراضي اللبنانية وحتى بين اللاجئين السوريين. وتبلّغ حوالى ثلاث نساء أسبوعياً عن تعرّضهن لأحد أنواع العنف المذكورة، وفق إحصاءات مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في قوى الأمن الداخلي.

وتعمل جمعية «أبعاد» بالتعاون مع وزارة الداخلية اللبنانية على برنامج «الإدارة القيادية لحالات العنف الجنسي»، الذي يهدف إلى تدريب الفئات الإجتماعية ومقدّمي الخدمات من المراكز والجمعيات وخصوصاً رجال الضابطة العدلية عبر دورات توعية على مدار السنة، على كيفية التعاطي مع الضحية واستقبالها وتقديم الدعم النفسي لها والاستشارة القانونية، إضافة إلى طلب طبيب شرعي.

وتؤكّد غملوش أن «المجتمع اليوم يتمتّع بمقدار كافٍ من الوعي ولا أحد يرضى أو يبرر جريمة الاغتصاب. لكن ينقص هذا المجتمع التوجيه وتلقّي المــعلومات الجديدة، وهذا ما نعمل عليه وما يجب التركيز عليه بعد إلغاء المادة 522».