المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية والموقف تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في سورية

الأربعاء،28 حزيران(يونيو)،2017

أدت الأحداث الجارية في سورية إلى إظهار الأزمة التي تعيشها العديد من المنظمات الحقوقية في العالم العربي، حيث أبدى عدد محدود من هذه المنظمات موقفاً واضحاً تجاه الانتهاكات التي تجري في سورية، فيما اختار أغلبها الامتناع عن إظهار أي موقف، أو إظهار مواقف شبه محايدة، تدعو (كل الأطراف) إلى التوقف عن إطلاق النار، أو (دعوة كل الأطراف) للالتزام بالقانون الدولي.. الخ، وهي الدعوات المعتادة في حالة الحروب بين الدول.

وفي هذا التقرير سوف نحاول دراسة مواقف المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وانعكاس هذه المواقف على واقع الجسم الحقوقي في المنطقة.

ولأن هذا التقرير يهدف إلى دراسة هذه المواقف من أجل الوصول إلى الخلاصات الخاصة بحالة المنظمات الحقوقية، فإنّ التقرير لن يُشير إلى أسماء أي من المنظمات التي جرت دراسة أدبياتها، حتى لا يتأثّر الهدف الرئيسي للتقرير.

المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية

يُقصد بالمنظمات الحقوقية تلك المنظمات المسجّلة أو غير المسجلة في المنطقة العربية، والتي تُعلن أنها مهتمة بالشأن الحقوقي، ويكون الحدث الحقوقي في دولة عربية أو أكثر حول موضع عنايتها، سواء أكانت مسجلة في المنطقة العربية أو في خارجها.

ولا يوجد عدد حصري لهذه المنظمات في المنطقة العربية، لكن يُقدّر عدد المنظمات الفاعلة بشكل كلي أو جزئي بحوالي ألفي منظمة، فيما يزيد العدد الكلي للمنظمات المسجّلة عن 15000 منظمة على الأقل.

ولغايات إعداد هذا التقرير، قام فريق اللجنة السورية لحقوق الإنسان بدراسة مواقف المنظمات الحقوقية من خلال دراسة المواد المنشورة على المواقع الإلكترونية لهذه المنظمات، ومن خلال البيانات التي وردت فيها أسماء هذه المنظمات إذا كانت منشورة على موقع آخر. وقد تم دراسة موقف حوالي 300 منظمة في 13 دولة عربية، بالإضافة إلى عدد من المنظمات المسجلة في خارج المنطقة العربية، وتنشط في المنطقة العربية. وقد اقتصرت الدراسة على المنظمات المحلية، دون المنظمات الدولية.

المواقف من الانتهاكات التي تجري في سورية

تمحورت مواقف المنظمات الحقوقية العربية تجاه الانتهاكات التي تجري في سورية حول أربعة مواقف:

1. الامتناع عن تسجيل أي موقف: اختارت مجموعة من المنظمات الحقوقية في العالم العربي عدم تسجيل أي موقف من الانتهاكات التي جرت في سورية منذ بداية عام 2011 وحتى الآن.

وفيما أظهر البيانات الخاصة بأربعة عشر منظمة ممن تمّت دراستها أنّ هذه المنظمات لم تسجّل أي موقف تجاه أي حدث خارج إطار الدولة التي تنشط فيها، سجّلت بقية المنظمات مواقف متعددة تجاه أحداث أخرى تجري في المنطقة العربية في الفترة ما بين 2011-2013.

2. اتخاذ مواقف واضحة تجاه الانتهاكات: حيث اختارت عدد من المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية اتخاذ مواقف واضحة تجاه ما يجري من انتهاكات في سورية، وأصدرت بيانات، بشكل منفرد أو جماعي، تدين فيها الجرائم التي وقعت في سورية، وتطالب المجتمع الدولي بتفعيل القانون الدولي بحق مجرمي الحرب الذين قاموا بتنفيذ هذه الجرائم.

وقد كانت البيانات المشتركة على المستوى العربي محدودة بهذا الصدد، إلا أنه تم تسجيل عدد من البيانات والمواقف المحددة. ففي 18/12/2011 أصدرت 62 منظمة حقوقية في المنطقة العربية بياناً مشتركاً دعت فيه مجلس الأمن “إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لتبني قرار يضمن توفير الحماية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وضمان المساءلة عن الجرائم التي من المحتمل ارتكابها من قبل الحكومة السورية”، وضرورة ” إحالة ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب الجرائم ضد الإنسانية التي من المحتمل ارتكابها في البلاد”.

كما شاركت عدد من المنظمات الحقوقية في عملية نشر بيانات المنظمة السورية والدولية بخصوص الانتهاكات، وشارك بعضها في عمليات توثيق الانتهاكات، فعلى سبيل المثال، قام مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع عدد من المنظمات السورية، يوم 17/9/2013 بمداخلة شفهية أمام مجلس حقوق الإنسان حول الأعمال الوحشية الجارية الآن في سورية.

2. تسجيل مواقف محدودة وضبابية: ذهبت معظم المنظمات الحقوقية التي تمّ دراستها إلى التوقيع على عدة بيانات مشتركة تدين استخدام العنف في سورية بصورة عامة، دون الإشارة إلى الفاعل، حتى في المرحلة السلمية للثورة السورية.

ولم تسجّل هذه المنظمات في أدبياتها الفردية، أو في بياناتها المشتركة أي إدانة لأي جريمة من تلك الجرائم التي تمّ تنفيذها في سورية خلال الفترة 2011-2013، ولم تصدر بطبيعة الحال أي تقارير حقوقية من هذه المنظمات عن هذه الجرائم، حيث اقتصر إصدار التقارير الحقوقية حول الانتهاكات التي تجري في سورية على المنظمات السورية، والمنظمات الحقوقية الدولية.

وفي الوقت الذي امتنعت هذه المنظمات عن اتخاذ موقف واضح من الانتهاكات التي قام بها النظام السوري خلال السنتين السابقتين، والتي أدّت إلى مقتل حوالي 100 ألف شخص على الأقل، وتشريد حوالي 3 ملايين آخرين، فإنّ هذه المنظمات أظهرت مواقف واضحة تجاه الانتهاكات التي يُعتقد أن المعارضة تقف خلفها، أو تلك التي تتعلق بالإجراءات التي يمكن أن تستهدف النظام السوري.

ففي 30/4/2013 أصدرت 55 منظمة حقوقية بياناً مشتركاً أدانت فيه خطف المطران بولس اليازجي والمطران حنا إبراهيم، واستنكرت وأدانت فيه “بشدة بالغة” ما أسمته “المحاولة الآثمة”.

وفي 9/5/2013 أصدرت 88 منظمة وشبكة حقوقية بيانات مشتركاً من أجل إيقاف نزيف الدم في الشوارع السورية، حيث استخدم البيانات، كما كل البيانات المشابهة، لغة المبني للمجهول، من أجل تفادي الحديث عن المتسبب في الضحايا والانتهاكات الهائلة، حيث قال البيان إن “النزاع الدامي في سورية أدّى إلى دمار هائل في البنى والممتلكات العامة والخاصة، وتفتيت المجتمعات السكانية وهدم المنازل والمحلات والمدارس والمستشفيات والأبنية الحكومية وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وأسقط الآلاف من القتلى والجرحى، وأدى إلى نزوح وفرار ولجوء أكثر من ستة ملايين شخص تركوا منازلهم، من بينهم أكثر من مليون لاجئ فروا إلى بلدان مجاورة، إضافة إلى آلاف المعتقلين والمختفين قسرياً، وطالب البيان بالوقف الفوري “لدوامة العنف والقتل ونزيف الدم في الشوارع السورية، أياً كانت مصادر هذا العنف وأياً كانت أشكاله دعمه ومبرراته”.

وفي 6/9/2013 حيث أصدرت 314 منظمة حقوقية بياناً مشتركاً لمطالبة الكونغرس الأمريكي والبرلمان الفرنسي “لعدم إقرار العدوان على سوريا المخالف للقانون الدولي”، وثمّنت “موقف مجلس العموم البريطاني، الذي فوت الفرصة على اشتراك بريطانيا في شن عدوان على سورية، على غرار مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهو موقف يتسق مع القانون الدولي”، كما “ثمّن البيان “موقف أعضاء مجلس النواب الأردني ال 77 الذين طالبوا الحكومة الأردنية بعدم استخدام الأراضي الأردنية كمنطلق لأعمال عدوانية على سورية، وكل التحركات العربية والغربية المشابهة”.

وقد تمّ ملاحظة أن عدداً من المنظمات الحقوقية العربية الموقّعة على البيانات السابقة اقتصرت في تغطيتها للانتهاكات في سورية على البيان المشترك الذي تُصدره بشكل يومي عدد من المنظمات الحقوقية السورية، والذي يورد أسماء الضحايا والمفقودين، دون تحديد كيفية ومصدر الانتهاك.

ولم تتمكن اللجنة من الحصول على أي بيانات خاصة لمنظمات حقوقية عربية حول جريمة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة، والتي وقعت في 21/8/2013، وأصبحت الحدث الرئيسي عالمياً منذ ذلك الحين. إلا أن البيان المشترك الذي صدر في 6/9/2013 أدان استخدام استخدام السلاح الكيماوي في سوريا “أي كانت الجهة التي استخدمته سواء في خان العسل (آذار 2013) أو في الغوطة الشرقية (آب 2013) أو غيرها” حسبما جاء في البيان، ودعى فريق المحققين التابعين للأمم المتحدة إلى مواصلة التحقيق للكشف عن الذين استخدموه.

النتائج

يلاحظ أن معظم المنظمات الحقوقية العربية اختارت تجاهل الانتهاكات التي تجري في سورية، والتي يقوم بها النظام السوري، لكنها أظهرت مواقف واضحة فيما يتعلق بانتهاكات يُعتقد أن المعارضة تقف وراءها، أو تجاه التحرك الدولي المحتمل ضد سورية.

رغم العدد الكبير من المنظمات الموقعة على بيان رفض العدوان على سورية، وهو البيان الأكثر توقيعاً من بين كل البيانات المشتركة المتعلقة بسورية منذ 2011، لم يسجّل أي موقف من أي منظمة حقوقية عربية يدين التدخل الأجنبي الروسي والإيراني في سورية، أو يدين مشاركة حزب الله العلنية في العمليات ضد السوريين، أو مشاركة الميليشيات العراقية (لواء أبو الفضل العباس)، ولم يتم تسجيل أي نشر أو توثيق لانتهاكات أي من هذه الأطراف.

ما زالت عملية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية مقتصرة على المنظمات السورية (وهي جميعها إما غير مسجلة أصلاً وليس لها مقرات، أو مسجلة في خارج البلاد)، بالإضافة إلى التوثيق الذي تقوم به المنظمات الدولية، مثل: هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وأطباء بلا حدود.. الخ.

قامت عدد من المنظمات الحقوقية العربية ممن لم تتخذ أي موقف واضح تجاه الانتهاكات التي قامت بها الحكومة السورية، قامت على مواقعها الإلكترونية بنشر أخبار وبيانات وأفلاماً عن الانتهاكات التي تقوم بها الجماعات الإسلامية المتشددة (الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة).

على الرغم من عدم اكتراث هذه المنظمات بالانتهاكات الجسيمة التي وقعت في سورية، فإنّ عدداً من المنظمات ذات المواقف الضبابية تقدّمت للمانحين، حسب ما هو منشور على مواقعها

الإلكترونية، من أجل الحصول على مشاريع وتمويلات للعمل مع اللاجئين والنشطاء السوريين، وبعضها بتمويلات أمريكية.

الخلاصة

تُظهر المواقفُ الضبابية أو اللامواقف التي اتخذتها عدد من المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية تجاه الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها سورية منذ ربيع 2011 أن هناك حاجة ماسة للجسم الحقوقي في المنطقة وفي العالم إلى مراجعة ذاتية جادة، من أجل إعادة فرز النشطاء الحقيقيين المؤمنين بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، من أولئك الذين اتخذوا من النشاط الحقوقي ستاراً لعملهم السياسي، ولم يستطيعوا التخلي من أديولوجياتهم خارج عملهم الحقوقي.

لقد سَجّلت الانتهاكات التي جرت في سورية رقماً قياسياً في نسبة التوثيق المصور مقارنة بأية انتهاكات جرت في أي منطقة أخرى من العالم، وجرت معظم هذه الانتهاكات بصورة واضحة وجلية، بالطائرات والدبابات وصواريخ سكود.. الخ، إلا أنّ امتناع عدد كبير من المنظمات الحقوقية عن إدانة هذه الانتهاكات يشير إلى سياسة ازدواج في المعايير، وتجاهل لمبادئ حقوق الإنسان التي تقوم معظم هذه المنظمات بتنفيذ مشاريع للتربية عليها ونشرها!.

إن اللجنة السورية لحقوق الإنسان وإذ تدين عجز أغلب المنظمات الحقوقية العربية عن تقديم إدانة واضحة، ولو لمرة واحدة، للانتهاكات الخطيرة التي تجري في سورية، فإنّها تدعو المنظمات الدولية والمانحيين الدوليين لإجراء مراجعة لأداء المنظمات الحقوقية في المنطقة، ومراجعة الكيفية التي يتم فيها صرف المنح التي يُقدمها دافع الضرائب في الدول المانحة، كما تدعو اللجنة هؤلاء الممولين إلى إجراء دراسة تقييمية لمدى نجاح البرامج الحقوقية التي تم تنفيذها في المنطقة خلال العقود الماضية، وتقييم كفاءة القائمين على هذه المشاريع، ومدى اقتناعهم بفكر حقوق الإنسان.

وتثمّن اللجنة السورية الدور الذي قامت به المنظمات الحقوقية السورية، والنشطاء السوريين، والذين قاموا بموارد محدودة بتوثيق عمليات الانتهاكات بشكل غير مسبوق، ووفّروا المادة الأساسية التي اعتمدت عليها المنظمات الحقوقية الدولية.

كما تُثمّن اللجنة المواقف الواضحة والصريحة التي قدّمتها بعض المنظمات الحقوقية في المنطقة العربية، وهي مواقف تعبّر عن الالتزام الحقيقي لهذه المنظمات بمبادئ حقوق الإنسان والشرعة الدولية.

24/9/2013

اللجنة السورية لحقوق الإنسان