نحو عالم تسوده المساواة بين الجنسين: مهمة الجميع
جوزيب بوريل، ويوتا أوربيلاينين
لم تكن “آوا” تبلغ من العمر سوى خمس عشرة سنة حينما علِمت أن أهلها كانوا يرغبون في تزويجها. كان ذلك في بداية عام ٢٠٢٠.
الهروب لم يكن خياراً أمام الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعا ِلما ينطوي عليه من صعوبات ومخاطرة ولم يكن من خيار أمامها سوى أن تتحدى قرار أبيها. كان في قريتها الصغيرة في مالي مجلس حكماء ينظر في قضايا الزواج المبكر.
رفعت “آوا” قضيتها أمام هذا المجلس وبعد المداولات استُدعي والدها لثنيهعلى تزويجها في ذلك السن المبكر، فاقتنع. فلمساندة قضايا فتيات مثل “آوا”، يدعم الاتحاد الأوروبي مثل هذه المجالس كما يدعم مشاريع أخرى عبر العالم تصب في الاتجاه نفسه.
هدف الاتحاد الأوروبي أن يستطيع كل شخص المساهمة في بناء مجتمعه وتحديد المسار الذي يريده لنفسه في الحياة على أساس من المساواة. وهذا ما ركزنا عليه في خطة عملنا الثالثة من أجل النوع الاجتماعي المعتمدة في ٢٤ نوفمبر/تشرين الثاني والداعية إلى عالم قائم على المساواة بين الجنسين.
الآن ونظرا لتراجع النشاط العالمي في مجال المساواة بسبب جائحة كوفيد-١٩ وبينما تواجه منظمات المجتمع المدني، بما فيها المنظمات النسائية والأقليات الجنسية، تراجعا في المجالين المدني والديمقراطي، فإن بناء عالم قائم على المساواة بين الجنسين يكتسب أهمية كبرى أكثر من أي وقت مضى.
إن قصة “آوا” تشبه قصص العديد من الفتيات عبر العالم، فتيات استطعن التحكم في حياتهن ومواجهة عدم المساواة والتمييز القائم على النوع الاجتماعي. نجحت هؤلاء الفتيات في اصال أصواتهن واستطعن بذلك قيادة التغيير. يقف الاتحاد الأوروبي إلى جانبهن ويدعمهن. وبما أن حقوق المرأة من حقوق الإنسان، فإن المساواة بين الجنسين قيمة أوروبية لا تقبل المساومة ويجب أن تنعكس في عمل الاتحاد الأوروبي الخارجي وفي برامجه التنموية.
وبفضل دعم الاتحاد الاوروبي، طورت “تفاحة أمين” و”عزيزة الحاسي” و”أمينة كشروده” تطبيق الكتروني للتعليم عن بعد في بنغازي، وبفضل هذا الدعم كذلك تم في العام الماضي إطلاق منصة الكترونية لمساعدة النساء على المشاركة في المسار السياسي في سوريا. وفي إطار مبادرة “ديجيتال تو إيكوال” للمنصات الإلكترونية التي يدعمها الاتحاد الاوروبي، ستتمكن ١٥٠٠ امرأة في الهند من تلقي تدريب في مجال الفندقة ومن ثم تحسين دخلهن.
تتنوع التحديات التي تواجه المساواة بين الجنسين بتنوع سياقاتها، ولذلك تستوجب حلولا خاصة بكل سياق سواء من خلال تنظيم المنتديات متعددة الأطراف أو الحوار مع البلدان الشريكة بشأن مقترحات الاتحاد الأوروبي أو تمويل المشاريع الملموسة في هذا المجال.
في هذا السياق، نهدف من خلال برامجنا في مجال التربية والتعليم إلى مساعدة مزيد من الفتيات على الحصول على التعليم وان يؤمنا بدورهن كفاعلات في عملية التغيير. كما نؤمن بأن التعليم يعد أحد الحلول القوية للحد من العزلة والاستغلال، فما من مخرج دون اكتفاء ذاتي اقتصادي. وفضلا عن ذلك، نعمل على دمج مفهوم الأمن الإنساني والمساواة بين الجنسين في برامجنا التدريبية المتعلقة بإدارة الأزمات والتي يقودها الاتحاد كبرنامج قوات الأمن الداخلية “إيوكاب” للساحل ومالي (بعثة الاتحاد الأوروبي لتعزيز القدرات).
خلال جائحة كورونا ارتفع معدل العنف القائم على النوع بشكل ملفت، مما حدى بالاتحاد الأوروبي بالشراكة مع الأمم المتحدة إلى توفير ملاجئ وخطوط هاتفية وتقديم الدعم للمنظمات النسائية العاملة في الميدان. ويشار أن التدابير التي تأخذ بعين الاعتبار النوع والسن وتساهم في تخفيف مخاطر العنف القائم على النوع جزء لا يتجزأ من خطة المواجهة العالمية لجائحة كوفيد-١٩. لكن فضلا عن العمل المباشر، علينا أن نظل واعين بالتحديات التي تواجهها النساء في سياق دولي يتسم بانكماش سوق العمل وتحول الاقتصاد العالمي، لكن التحديات غالبا ما تكون مقرونة بالفرص.
في هذا الصدد، لنا أن نحتفل بكون النساء والفتيات أصبحن يشاركن في صياغة التحولات العالمية بفضل جيل جديد من النساء النشيطات في المنظمات العاملة في الميدان، وذلك من أجل تحول أخضر وعادل وحقوق متساوية للجميع وإقامة الديمقراطية ومجتمعات مسالمة وشاملة.
ويمكن القول إن التغيير الإيجابي ممكن والانتعاش الذي ستشهده مرحلة ما بعد كورونا يجب أن يكون فرصة لمعالجة التفاوتات البنيوية وبناء مجتمعات أكثر شمولا، ذلك أن إبراز دور النساء في التحولات الخضراء والرقمية المقبلة أمر أساسي.
ولايزال هنالك حاجة للتغيير. فلقد مر ٢٥ عاماً منذ إعلان بكيين الخاص بحقوق المرأة وعشرون عاماً منذ اعتماد قرار مجلس الأمن رقم ١٣٢٥ الخاص بالنساء والسلم والأمن. ورغم التقدم المحرز منذ ذلك الحين، لا يوجد بلد في العالم يسير نحو تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول ٢٠٣٠ حتى في أوروبا كما تبين ذلك من خلال المسح الاخير للمؤشرات الخاصة بالمساوة بين الجنسين الذي نفذه المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين. فهناك الكثير من النساء اللواتي لا يستطعن الحصول على الموارد الضرورية والخدمات الاجتماعية الأساسية والوصول إلى مراكز السلطة على أساس من المساواة. وبالنظر إلى هذا الواقع، لا مناص من الدعوة إلى مزيد من العمل في هذا الاتجاه.
إن خطة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالنوع الاجتماعي ليست فقط حبرا على ورق، بل دعوة إلى العمل من خلال تدابير ملموسة.
وبالتالي نريد أن نمكن عددا أكبر من النساء والفتيات بكل تنوعاتهن ليصبحن فاعلات ورائدات في الميادين الاقتصادية والسياسية والبيئية. نريد مواصلة إدماج مبادئ السلم والأمن في إطار المساواة بين الجنسين بمفهومها الواسع وفي إطار تمكين النساء. نريد تعزيز الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق المتصلة بها، وان تكون المعايير التي تراعي النوع الاجتماعي هي الاساس في اختيار القيادات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لنكون قدوة يحتذى بها في هذا المضمار,
نؤمن بأن المساواة بين الجنسين تستحق أن تندرج في صلب السياسات الأوروبية، ليس فقط لأن عالماً قائماً على المساواة بين الجنسين والعدل والمقاربة الشمولية يعني عالما أكثر رفاهية وأمانا بل لأننا نعتبر المساواة بين الجنسين هدفا في حد ذاته ورسالة تحملها أوروبا في الداخل والخارج على حد سواء.
*- جوزيب بوريل: الممثل الأعلى للسياسات الخارجية
*- يوتا أوربيلاينين: المفوضة الأوروبية للتعاون الدولي